أدبارهم أي فهم معتادون لذلك فلا حياء عندهم. (قالَ) أي لوط : (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أي فتزوجوهن. والمراد بالجمع ما فوق الواحد لما صحت الرواية أن لسيدنا لوط عليهالسلام بنتين فقط وهما زنتا وزعوراء.
وقال السدي : اسم الكبرى ريا ، والصغرى رغوثا وكان في ملته يجوز تزوج الكافر بالمسلمة ، أو قال ذلك على سبيل الدفع لا على سبيل التحقيق وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم ، لا لعدم جواز تزويج المسلمات من الكفار (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك الفواحش (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) أي لا تخجلوني في أضيافي لأن مضيف الضيف يلزمه الخجل من كل فعل قبيح يصل إلى الضيف (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) (٧٨) يهتدي إلى الحق ويرعوي عن الباطل ، ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي. (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ) يا لوط (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) أي شهوة أي إنك قد علمت أن لا سبيل إلى المناكحة بيننا وبينك (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) (٧٩) من إتيان الذكران (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٨٠) أي لو قويت على دفعكم بنفسي أو رجعت إلى عشيرة قوية لبالغت في دفعكم. وإنما قال ذلك لأنه لم يكن من قومه نسب بل كان غريبا فيهم لأنه كان أولا بالعراق مع إبراهيم فلما هاجرا إلى الشام أرسله الله تعالى إلى أهل سذوم ـ وهي قرية عند حمص ـ أو المعنى لو قويت على الدفع لدفعتكم بل أعتصم بعناية الله تعالى (قالُوا) أي هؤلاء الملائكة : (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بضرر فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب ودخلوا فضرب جبريل عليهالسلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم فخرجوا وهم يقولون : النجاء النجاء فإن في بيت لوط قوما سحرة (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي فاخرج مع أهلك في نصف الليل لتستبقوا العذاب الذي موعده الصبح (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ).
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالرفع أي لا يتأخر منكم أحد إلا امرأتك واعلة المنافقة. والباقون بالنصب. والمعنى لا ينظر أحد إلى ورائه منك ومن أهلك إلا امرأتك وإنما نهوا عن الالتفات ليسرعوا في السير فإن من يلتفت إلى ما وراءه لا يخلو عن أدنى وقفة وهذه القراءة تقتضي كون لوط غير مأمور بالإسراء بها وقراءة الرفع تقتضي كونه مأمورا بذلك (إِنَّهُ مُصِيبُها) أي امرأتك (ما أَصابَهُمْ) من العذاب (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي إن وقت عذابهم وهلاكهم الصبح لأنه وقت الراحة فحلول العذاب حينئذ أفظع وهذا تعليل للنهي عن الالتفات المشعر بالحث على الإسراع (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨١) وهذا تأكيد للتعليل فإن قرب الصبح داع إلى الإسراع في الإسراء للتباعد عن مواضع العذاب (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي وقت عذابنا وهو الصبح (جَعَلْنا عالِيَها) أي عالي قرى قوم لوط وهي خمس مدائن فيها أربعمائة ألف ألف (سافِلَها).