روي أن جبريل عليهالسلام أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط وقلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمار ، ونباح الكلاب ، وصياح الديوك ولم تنكفئ لهم جرة ولم ينكب لهم إناء ، ثم قلبها دفعة واحدة وضربها على الأرض. (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) أي على أهل تلك القرى الخارجين عنها في الأسفار وغيرها (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي من طين متحجر (مَنْضُودٍ) (٨٢) أي كان بعض الحجارة فوق بعض في النزول (مُسَوَّمَةً) أي مخططة بالسواد والحمرة والبياض. أي كان عليها علامة تتميز بها عن حجارة الأرض (عِنْدَ رَبِّكَ) أي في خزائنه التي لا يتصرف فيها أحد إلا هو (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (٨٣) أي ما هذه الحجارة من كل ظالم ببعيد فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها أي فإن الظالمين حقيق بأن تمطر عليهم (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى أولاد مدين بن إبراهيم عليهالسلام (أَخاهُمْ) في النسب (شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحده ولا تشركوا به شيئا (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي لا تنقصوا حقوق الناس بالكيل والوزن (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي ملتبسين بسعة تغنيكم عن النقص (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن لم توفوا بالكيل والوزن (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) (٨٤) أي يحيط بكم ولا ينفلت منكم أحد (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي أتموهما (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل من غير زيادة ولا نقصان (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ) بسبب عدم اعتدالهما (أَشْياءَهُمْ) أي أموالهم التي يشترونها بهما (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٨٥) أي ولا تعلموا في إفساد مصالح الغير فإن ذلك في الحقيقة إفساد مصالح أنفسكم (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي المال الحلال الذي يبقى لكم خير من تلك الزيادة الحاصلة بطريق التطفيف (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين لي في مقالتي لكم.
وقرئ «تقية الله» بالفوقية أي تقواه تعالى عن المعاصي. (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (٨٦) أي أحفظكم من القبائح ولست بحافظ عليكم نعم الله إذ لو لم تتركوا هذا العمل القبيح لزالت النعم عنكم (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) وقوله : (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ) معطوف على «ما يعبد» ، و «أو» بمعنى الواو. والمعنى هلا صلاتك تأمرك بتكليفك إيانا ترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان ، وترك فعلنا ما نشاء من الأخذ والإعطاء والزيادة والنقص.
روي أن شعيبا كان كثير الصلاة في الليل والنهار ، وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا ، فقصدوا بقولهم : أصلاتك تأمرك السخرية (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٨٧) أي كنت عندنا مشهورا بأنك حليم رشيد فكيف تنهانا عن دين ألفيناه من آبائنا (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي علم وهداية ودين ونبوة (وَرَزَقَنِي مِنْهُ) أي من عنده بإعانته بلا كد مني