(رِزْقاً حَسَناً) أي مالا حلالا. فهل يجوز لي مع هذا الإنعام العظيم أن أخون في وحيه ، وأن أخالفه في أمره ونهيه؟ وهذا الجواب مطابق لقولهم لسيدنا شعيب إنك لأنت الحليم الرشيد فكيف يليق بك مع حلمك ورشدك أن تنهانا عن دين آبائنا؟ فكأن شعيبا قال : إن نعم الله تعالى عندي كثيرة وهو أمرني بهذا التبليغ والرسالة فكيف يليق بي مع كثرة نعم الله تعالى على أن أخالف أمره! ومعنى الآية على هذا الوجه يا قوم أخبروني إن كنت نبيا من عند الله تعالى ورزقني مالا حلالا أستغني به عن العالمين أيصح أن أخالف أمره وأوافقكم فيما تأتون وما تذرون (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) أي ليس مرادي أن أمنعكم عن التطفيف وأن أفعله (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي مدة استطاعتي للإصلاح لا أقصر فيه. والمعنى أنكم تعرفون من حالي أني لا أسعى إلا في الإصلاح وإزالة الخصومة حتى إنكم أقررتم بأني حليم رشيد فلما أمرتكم بالتوحيد وترك إيذاء الناس ، فاعلموا أنه دين حق وأنه ليس غرضي منه إيقاع الخصومة فإنكم تعرفون أني أبغض ذلك الطريق ولا أدور إلا على ما يوجب الصلاح بقدر طاقتي وذلك هو الإبلاغ والإنذار. (وَما تَوْفِيقِي) أي ما قدرتي على تنفيذ كل الأعمال الصالحة (إِلَّا بِاللهِ) أي إلا بمعونته وهدايته (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي عليه تعالى اعتمدت في جميع أموري (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨) أي عليه أقبل (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) أي لا تكسبنكم معاداتكم لي (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح العقيم (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الصيحة والرجفة (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (٨٩) أي وما خبر إهلاك قوم لوط بالخسف منكم ببعيد فإن لم تعتبروا بمن قبلكم من الأمم المعدودة فاعتبروا بهم فإن بلادهم قريبة من مدين وإهلاكهم أقرب الإهلاكات التي عرفها الناس في زمان شعيب (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) عن عبادة الأوثان (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) عن النجس (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) أي عظيم الرحمة للتائبين (وَدُودٌ) (٩٠) أي محب لهم (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) أي ما نفهم مرادك وإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا إلى محاورته سبيلا سوى المنع عن طريق الحق كما هو ديدن المفحم المحجوج (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا) أي فيما بيننا (ضَعِيفاً) أي لا تقدر على منع القوم عن نفسك إن أرادوا بك سوءا (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) أي لو لا حرمة قومك عندنا بسبب كونهم على ملتنا (لَرَجَمْناكَ) أي لقتلناك بالحجارة أو لشتمناك وطردناك (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (٩١) أي معظم فيسهل علينا قتلك وإيذاؤك وإنما نمتنع من ذلك لرعاية حرمة عشيرتك لموافقتهم لنا في الدين لا لقوة شوكتهم. (قالَ) لهم : (يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) والمعنى حفظكم إياي رعاية الأمر الله تعالى أولى من حفظكم إياي رعاية لحق رهطي فالله تعالى أولى أن يتبع أمره (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أي جعلتم الله شيئا منبوذا خلف ظهرك منسيا لا يعبأ به (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال السيئة (مُحِيطٌ) (٩٢) أي عالم فلا يخفى عليه شيء منها فيجازيكم عليها (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي على غاية استطاعتكم من إيصال الشرور إلى (إِنِّي عامِلٌ) بقدر ما آتاني الله