وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «سعدوا» بضم السين. والباقون بفتحها. (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) أي فلا تك يا أشرف الخلق في شك من حال ما يعبد كفار قريش من الأوثان في أنها لا تنفع لهم (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) أي ليس لهم في عبادة الأصنام مستند إلا تقليد آبائهم فإنهم أشبهوا آباءهم في لزوم الجهل والتقليد (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (١٠٩) أي إنا معطو هؤلاء الكفرة ما يخصهم من العذاب ونصيبهم من الرزق والخيرات الدنيوية تاما كما أعطينا آباءهم أنصباءهم من ذلك (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أي في شأنه. فآمن به قوم وكفر به قوم آخرون كما اختلف قومك في القرآن فلا تحزن فإن ما وقع لك وقع لمن قبلك. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لو لا الحكم الأزلي بتأخير العذاب عن أمتك إلى يوم القيامة لأوقع القضاء بين المختلفين من قومك بإنزال العذاب الذي يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين (وَإِنَّهُمْ) أي وإن كفار قومك (لَفِي شَكٍ) عظيم (مِنْهُ) أي القرآن (مُرِيبٍ) (١١٠) أي ظاهر الشك أو موقع في الشك (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم «إن» و «لما» مخففتين ، وأبو عمرو والكسائي شددا «إن» وخففا «لما» ، وحمزة وابن عامر وحفص شددوهما ، أي وإن كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين والله لفريق يوفيهم ربك أجزية أعمالهم ، أو المعنى وإن جميعهم والله (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) الآية. قالوا : وأحسن ما قيل إن أصل لما لمّا بالتنوين بمعنى جميعا (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١١) أي إن ربك بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر عالم لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده وإن دقت (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أي مثل الاستقامة التي أمرت في العقائد والأعمال والأخلاق فإن الاستقامة في العقائد اجتناب التشبيه والتعطيل ، وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط وهذا في غاية العسر وعن بعضهم قال : رأيت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في النوم فقلت له : روي عنك أنك قلت : شيبتني هود وأخواتها ، فقال : «نعم» فقلت : وبأي آية؟ فقال بقوله تعالى : «فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» (١). (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) من الكفر وشاركك في الإيمان فـ «من» منصوب على أنه مفعول معه أو مرفوع عطف على الضمير في أمرت (وَلا تَطْغَوْا) أي لا تتحرفوا عمّا حد لكم بإفراط أو تفريط فإن كلّا طرفي قصد الأمور ذميم (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١٢) فيجازيكم على ذلك (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ولا تميلوا أدنى ميل إلى الذين وجد منهم الظلم (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) أي فتصيبكم بسبب ذلك (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أي من أنصار ينقذونكم من النار (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (١١٣) من جهة الله تعالى.
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب التفسير ، باب : تفسير سورة ٥٦.