قال المحققون : الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة من الظلم ومشاركتكم في شيء من تلك الأبواب فأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) أي غدوة وعشية فالصبح في الغدوة والظهر والعصر في العشية (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أي ساعات منه قريبة من النهار وهي المغرب والعشاء (إِنَّ الْحَسَناتِ) كالصلوات الخمس (يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) أي يكفرنها وفي الحديث : «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» (١).
روي أن أبا اليسر بن عمرو الأنصاري قال : أتتني امرأة تشتري تمرا فقلت لها : إن في البيت تمرا أطيب من هذا. فدخلت معي البيت ، فقبلتها ، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : استر على نفسك ، وتب ولا تخبر أحدا. فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال : استر على نفسك ، وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر حتى أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له فقال لي : «أ خنت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا» وأطرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم طويلا حتى نزلت هذه الآية فقرأها علي فقال : «نعم اذهب فإنها كفارة لما عملت» (٢). (ذلِكَ) أي القرآن (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (١١٤) أي عظة للمتعظين أو ذلك الحسنات كفارات لذنوب التائبين. (وَاصْبِرْ) يا أشرف الخلق على مشاق ما أمرت به (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١١٥) أي إن الله يوفي الصابرين أجور أعمالهم من غير بخس أصلا (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) والمراد بالتخصيص النفي أي فما كان من القرون الماضية المهلكة بالعذاب جماعة أصحاب جودة في العقل ، وفضل ينهون عن الفساد إلا قليلا وهم من أنجيناهم من العذاب نهوا عن الفساد (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي واتبع الذين تركوا النهي عن المنكرات ما أنعموا من الشهوات واشتغلوا بتحصيل الرياسات وأعرضوا عما وراء ذلك (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) (١١٦) أي كافرين فإن سبب استئصال الأمم المهلكة فشو الظلم وشيوع ترك النهي عن المنكرات مع الكفر (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١١٧) أي لا يهلك ربك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات بينهم ، أي إن عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين للشرك بل إنما ينزل ذلك إذا أساءوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء للناس ، وظلم الخلق لفرط مسامحته تعالى في حقوقه ولذلك تقدم حقوق العباد على حقوقه تعالى عند تزاحم الحقوق (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي أهل ملة
__________________
(١) رواه ابن حجر في فتح الباري (٨ : ٣٥٧).
(٢) رواه الترمذي في كتاب التفسير ، باب : تفسير سورة ١١.