واحدة وهي الإسلام بحيث لا يختلف فيه أحد ولكن لم يشأ ذلك (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١١٨) (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي ولا يزالون مخالفين لدين الحق إلا قوما قد هداهم الله تعالى بفضله إليه فلم يخالفوه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي وللمذكور من الاختلاف والرحمة خلق الناس كافة فإن الله تعالى خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين ، ومصيرهم النار. وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين ومصيرهم الجنة. (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي ثبت قول ربك (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١٩) أي من كفارهما أجمعين (وَكُلًّا) أي كل نبأ (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) أي من أخبارهم وما جرى لهم مع قومهم (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) أي ما نقوي به قلبك لتصير على أذى قومك وتتأسى بالرسل الذين خلوا من قبلك (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) الأنباء المقصوصة عليك (الْحَقُ) أي البراهين الدالة على التوحيد والنوبة (وَمَوْعِظَةٌ) أي تنفير عن الدنيا (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠) أي إرشاد لهم إلى الأعمال الصالحة (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بهذا الحق (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي ثابتين على حالتكم وهي الكفر (إِنَّا عامِلُونَ) (١٢١) على حالتنا وهي الإيمان. أو المعنى افعلوا كل ما تقدرون عليه في حقي من الشر فنحن عاملون على قدرتنا. والمراد بهذا الأمر : التهديد (وَانْتَظِرُوا) ما يعدكم الشيطان به من الخذلان (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٢٢) ما وعدنا الرحمن من أنواع الغفران والإحسان (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإن علمه تعالى نافذ في جميع الكليات والجزئيات والحاضرات والغائبات عن العباد (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) أي أمر الخلق كلهم في الدنيا والآخرة (فَاعْبُدْهُ) أي فاشتغل بالعبادات الجسدانية والروحانية أما العبادات الجسدانية فأفضل الحركات الصلاة وأكمل السكنات الصيام وأنفع البر الصدقة وأما العبادات الروحانية فهي الفكر والتأمل في عجائب صنع الله في ملكوت السموات والأرض (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) أي ثق به تعالى في جميع أمورك فإنه كافيك (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٢٣).
وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب ، أي فإنه تعالى لا يضيع طاعات المطيعين ، ولا يهمل أحوال المتمردين الجاحدين ، وذلك بأن يحضروا في موقف القيامة ويحاسبوا على النقير والقمطير ، ويعاتبوا في الصغير والكبير ، ثم يحصل عاقبة الأمر فريق في الجنة وفريق في السعير.