أرضه وسمائه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) وهم الكفار (لا يَعْلَمُونَ) (٢١) أن الأمر كله لله وأن قضاء الله غالب فمن تأمل في أحوال الدنيا عرف ذلك (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وهو ما بين الثلاثين والأربعين (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أي حكمة عملية وحكمة نظرية ؛ وإنما قدم الحكمة العملية هنا على العلمية لأن أصحاب الرياضات يشتغلون بالحكمة العملية ، ثم يترقون منها إلى الحكمة النظرية. وأما أصحاب الأفكار العقلية والأنظار الروحانية : فإنهم يصلون إلى الحكمة النظرية أولا ، ثم ينزلون منها إلى الحكمة العملية. وطريقة يوسف عليهالسلام هو الأول لأنه صبر على البلاء والمحنة ففتح الله تعالى عليه أبواب المكاشفات. (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء العجيب (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٢) أي كل من يحسن في عمله وعن الحسن من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) أي طلبت زليخا من يوسف أن يجامعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) أي أبواب البيت السبعة ، ثم دعته إلى نفسها (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ).
قرأ نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان «هيت» بكسر الهاء وفتح التاء ، وقرأ ابن كثير «هيت» بضم التاء وفتحها مع فتح الهاء ، وقرأ هشام بن عمار عن أبي عامر «هئت لك» بكسر الهاء وبالهمزة الساكنة وضم التاء ، والباقون بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء وإن قرئ «هيت» بفتح الهاء والتاء أو ضم التاء فمعناه تعال وبادر أنالك وإن قرأت بكسر الهاء ، ثم بالهمزة الساكنة وضم التاء فمعناه تهيأت لك (قالَ) يوسف : (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله معاذا مما تدعينني إليه (إِنَّهُ) أي الشأن العظيم (رَبِّي) أي سيدي العزيز (أَحْسَنَ مَثْوايَ) أي تعهدي حيث أمرك بإكرامي فلا يليق بالعقل أن أجازيه على ذلك الإحسان بالخيانة في حرمه (إِنَّهُ) أي الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) أي المجازون للإحسان بالإساءة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) أي قصدت زليخا مخالطة يوسف مع التصميم وقصد مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية وشهوة الشباب لا بقصد اختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله تعالى من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم ولهذا قال بعض أهل الحقائق : الهم قسمان : هم ثابت وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضا ـ مثل هم امرأة العزيز ـ فالعبد مأخوذ به. وهم عارض وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ـ مثل هم يوسف عليهالسلام ـ والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي لو لا أن أيقن بحجة ربه الدالة على كمال قبح الزنا وجواب لو لا محذوف. أي لو لا مشاهدته برهان ربه في شأن الزنا لجرى على موجب ميله الجبلي ، لكنه حيث كان البرهان الذي هو الحكم والعلم حاضرا لديه حضور من يراه بالعين فلم يهم أصلا. والحاصل أن هذا البرهان عند المحققين المثبتين لعصمة الأنبياء هو حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب ، أو المراد برؤية البرهان حصول الأخلاق الحميدة وتذكير الأحوال الرادعة لهم عن الإقدام على المنكرات.