الناس (وَما كُنَّا سارِقِينَ) (٧٣) لأنه قد ظهر من أحوالهم امتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع الناس ، ولأنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر ولم يستحلوا أخذها. (قالُوا) أي أصحاب يوسف : (فَما جَزاؤُهُ) أي فما جزاء سرقة الصواع في شريعتكم (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) (٧٤) في نفي كون الصواع فيكم : (قالُوا) أي إخوة يوسف : (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أي جزاء سرقة الصواع هو أخذ الإنسان الذي وجد الصواع في متاعه (فَهُوَ جَزاؤُهُ) أي فاسترقاق ذلك الشخص سنة هو جزاء سرقته لا غير ، فأفتوا بشريعتهم (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٧٥) بالسرقة في أرضنا هذا من بقية كلام إخوة يوسف. وقيل : من كلام أصحاب يوسف جوابا لقول إخوته ذلك (فَبَدَأَ) أي يوسف بعد ما رجعوا إليه (بِأَوْعِيَتِهِمْ) أي بتفتيش أوعية الإخوة العشرة (قَبْلَ) تفتيش (وِعاءِ أَخِيهِ) بنيامين لنفي التهمة.
روي أنه لما بلغت النوبة إلى وعائه قال : ما أظن هذا أخذ شيئا؟ فقال إخوة يوسف : والله لا نتركك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) أي الصواع (مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) فقال له : فرجك الله كما فرجتني (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي كما ألهمنا إخوة يوسف إن جزاء السارق أن يسترق كذلك ألهمنا يوسف حتى دسّ الصواع في رحل أخيه ليضمه إليه على ما حكم به إخوته (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي لم يكن يوسف يأخذ أخاه في حكم الملك بسبب من الأسباب إلا بسبب مشيئة الله ، وهو حكم أبيه. أي وكان حكم ملك مصر في السارق أن يضرب ويغرم مثلي قيمة المسروق ، فما كان يوسف قادرا على حبس أخيه عند نفسه إلا أن الله تعالى كادله ما جرى على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتنوين. والباقون بالإضافة ، أي نرفع رتبا كثيرة عالية من العلم من نشاء رفعه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٧٦) أي إن إخوة يوسف كانوا علماء فضلاء ، ويوسف كان زائدا عليهم في العلم ففوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى فليس فوقه أحد. (قالُوا) أي إخوة يوسف تبرئة لأنفسهم : (إِنْ يَسْرِقْ) أي بنيامين سقاية الملك (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) أي قالوا للملك : إن هذا الأمر ليس بغريب من بنيامين فإن أخاه الذي هلك كان سارقا أيضا. قال سعيد بن جبير : كان جد يوسف أبو أمه كافرا يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك فهذا هو السرقة (فَأَسَرَّها) أي إجابتهم (يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) أي في قلبه (وَلَمْ يُبْدِها) أي لم يظهر الإجابة (لَهُمْ قالَ) أي يوسف في نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي منزلة في السرقة من يوسف حيث سرقتم أخاكم من أبيكم (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) (٧٧) أي بحقيقة ما تذكرون من أمر يوسف هل يوجب عود مذمة إليه أم لا؟ (قالُوا) مستعطفين : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) أي ملك مصر (إِنَّ لَهُ) أي