أصحاب الإبل التي عليها الأحمال الذين جئنا معهم وهم قوم من كنعان من جيران يعقوب عليهالسلام (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٨٢) في أقوالنا فرجع التسعة إلى أبيهم فقالوا له : ما قال كبيرهم (قالَ) أي يعقوب : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أي بل زيّنت لكم أنفسكم إخراج بنيامين عني إلى مصر طلبا للمنفعة فعاد من ذلك ضرر (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فعلي صبر بلا جزع ولما رجع القوم إلى يعقوب عليهالسلام وأخبروه بالواقعة بكى وقال : يا بني لا تخرجون من عندي مرة إلا ونقص بعضكم ، ذهبتم مرة فنقص يوسف ، ومرة ثانية نقص شمعون ، ومرة ثالثة نقص روبيل وبنيامين ثم بكى وقال : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ) أي بيوسف وأخيه الشقيق وأخيه الذي توقف في مصر (جَمِيعاً) فلا يتخلف منهم أحد وإنما قال يعقوب هذه المقالة على سبيل حسن الظن بالله تعالى ، لأنه إذا اشتد البلاء كان أسرع إلى الفرج ، ولأنه علم بما جرى عليه وعلى بنيه من رؤيا يوسف (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بحالي وحالهم (الْحَكِيمُ) (٨٣) أي الذي لم يبتلني إلا لحكمة بالغة (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي وأعرض يعقوب عن بنيه حين بلغوه خبر بنيامين ، وخرج من بينهم كراهة لما سمع منهم. (وَقالَ يا أَسَفى) أي يا شدة حزني (عَلى يُوسُفَ) أي أشكو إلى الله أسفي ولم يسترجع يعقوب أي لم يقل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لأن الاسترجاع خاص بهذه الأمة (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) أي ضعف بصره من كثرة البكاء ، فإن الدمع يكثر عند غلبة البكاء ، فتصير العين كأنها بيضاء من بياض الماء الخارج منها (فَهُوَ كَظِيمٌ) (٨٤) أي ممسك على حزنه فلا يظهره أو ممتلئ من الحزن أو مملوء من الغيظ على أولاده. (قالُوا) أي الجماعة الذين كانوا في الدار من أولاد أولاده وخدمه : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) أي والله لا تزال تذكر يوسف (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) أي فاسدا في جسمك وعقلك (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) (٨٥) أي من الأموات فكأنهم قالوا : أنت الآن في بلاء شديد ، ونخاف عليك أن يحصل فيك ما هو أزيد منه وأرادوا بهذا القول منعه عن كثرة البكاء. (قالَ) أي يعقوب لهم : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) أي لا أذكر الحزن العظيم ولا الحزن القليل إلا مع الله (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨٦) أي أعلم من رحمته ما لا تعلمون وهو أنه تعالى يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب ، أي إنه يعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، ويعلم أن يوسف حي لأن ملك الموت قال له : اطلبه هاهنا وأشار إلى جهة مصر ويعلم أن بنيامين لا يسرق ، وقد سمع أن الملك ما آذاه وما ضرّ به فغلب على ظنه أن ذلك الملك هو يوسف فمن ذلك قال : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي استعلموا بعض أخبار يوسف وأخيه بنيامين فإن حالهما مجهولة ومخوفة بخلاف حال روبيل (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) أي لا تقنطوا من فرج الله وفضله. وقرأ الحسن وقتادة «من روح الله» بضم الراء ، أي من رحمته (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٨٧) لأن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم