بجميع المعلومات ، أو بخيل وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر ، فثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا أي فقبلوا من أبيهم تلك الوصية فعادوا إلى مصر مرة ثالثة (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) أي الملك القادر القوي : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) أي أصابنا ومن تركناهم وراءنا الهزال من شدة الجوع (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي بدراهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام ، وتقبل فيما بين الناس (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) أي أتممه لنا ما تتمم لنا بالدراهم الجياد (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بالمسامحة عن ما بين الثمنين (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (٨٨) في الدنيا والآخرة.
وروي أنهم لما قالوا ذلك وتضرعوا إليه اغرورقت عيناه فعند ذلك (قالَ) مجيبا عما عرصوا به من طلب رد أخيهم بنيامين : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي ما أعظم ما أتيتم من أمر يوسف وأخيه من تفريق يوسف من أبيه وإفراده عن أخيه لأبيه وأمه (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) (٨٩) أي حال كونكم جاهلين عقبى فعلكم ليوسف من خلاصه من الجب وولايته السلطنة (قالُوا) أي إخوته : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ).
قرأ ابن كثير «إنك» على لفظ الخبر. وقرأ نافع «أ إنك» بفتح الألف غير ممدودة وبالياء. وقرأ أبو عمرو «آينك» بمد الألف وهو رواية قالون عن نافع. والباقون «أ إنك» بهمزتين وكل ذلك على الاستفهام ، لأنهم فهموا من فحوى كلامه عليهالسلام أو من إبصار ثناياه وقت تبسمه عند تكلمه بذلك. وقال من قرأ على الخبر : إن الإخوة لم يعرفوا يوسف حتى رفع التاج عن رأسه فرأوا في فرقه علامة تشبه الشامة البيضاء كما كان ليعقوب وإسحاق مثل ذلك ، فلما عرفوه بتلك العلامة قالوا ذلك. (قالَ) جوابا لسؤالهم : (أَنَا يُوسُفُ وَهذا) أي بنيامين (أَخِي) أي شقيقي (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالجمع بيننا بعد التفرقة وبكل عز ولم يقل عليهالسلام في الجواب : هو أنا ، بل صرّح بالاسم تعظيما لما نزل به عليهالسلام من ظلم إخوانه وما عوّضه الله من النصر والملك فكأنه قال : أنا يوسف الذي ظلمتموني على أعظم الوجوه ، وأنا العاجز الذي قصدتم قتله ، والله تعالى أوصلني إلى أعظم المناصب كما ترون ؛ فكان في إظهار الاسم هذه المعاني ولهذا قال : وهذا أخي مع أنهم كانوا يعرفونه ، لأن مقصوده عليهالسلام أن يقول وهذا أيضا مظلوم ، ثم صار هو منعما عليه من الله تعالى كما ترون (إِنَّهُ) أي الشأن والمحدث (مَنْ يَتَّقِ) معاصي الله (وَيَصْبِرْ) على أذى الناس والمحن (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠) ويقوم الظاهر مقام الضمير لاشتماله على النعتين اللذين هما التقوى والصبر (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ) أي فضلك الله (عَلَيْنا) بالعلم والحلم والحسن والعقل والملك (وَإِنْ كُنَّا) أي وإن الشأن كنا (لَخاطِئِينَ) (٩١) أي لمتعمدين في الإثم فهم اعتذروا منه وتابوا. (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) خبر ثان ، أي إني حكمت في هذا اليوم بأن لا توبيخ مطلقا ، وتقدير الكلام :