اليوم حكمت بهذا الحكم العام المتناول لكل الأوقات ، لأن «لا تثريب» نفي للماهية فيقتضي انتفاء جمع أفراد الماهية فذلك مفيد للنفي المشتمل لكل الأوقات (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ما كان منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢) يغفر الصغائر والكبائر أي لما بين يوسف لهم أنه أزال عنهم ملامة الدنيا بعد اليوم طلب من الله أن يزيل عنهم عقاب الآخرة ، وروي أن إخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تحضرنا في مائدتك بكرة وعشيا ، ونحن نستحي منك لما صدر منا من الإساءة إليك فقال يوسف عليهالسلام : إن أهل مصر وإن ملكت فيهم كانوا ينظرون إلي بالعين الأولى ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ، ولقد شرفت الآن بإتيانكم وعظمت في العيون لما علم الناس أنكم إخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليهالسلام فقال يوسف : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ) إلي (بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣) من النساء والذراري والموالي وكانوا نحو سبعين إنسانا ، وحمل القميص يهوذا وقال : أنا أحزنته بحمل القميص ملطخا بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته فحمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا. (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت الإبل التي عليها الأحمال لإخوة يوسف من العريش وهي قرية بين مصر وكنعان (قالَ أَبُوهُمْ) يعقوب لمن حضر عنده من أولاد بنيه وقرابته : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أي إني لأشم ريح الجنة من قميص يوسف (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٩٤) أي لو لا أن تنسبوني إلى الخرف وفساد الرأي من هرم لصدقتموني. والتحقيق أن يقال : إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إلى سيدنا يعقوب على سبيل إظهار المعجزات ، لأن وصول الرائحة إليه من المسافة البعيدة ثمانية أيام مثلا أمر مناقض للعادة فيكون معجزة له (قالُوا) أي الحاضرون عنده : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) (٩٥) أي لفي حبك الأول ليوسف لا تنساه ولا تذهل عنه وكان يوسف عندهم قد مات (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهوذا بالقميص (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) أي ألقى البشير القميص على وجه يعقوب (فَارْتَدَّ بَصِيراً) أي فصار يعقوب بصيرا لعظم فرحه (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٩٦) من حياة يوسف وأن رؤياه صدق ، وأن الله يجمع بيننا (قالُوا) اعتذارا عمّا حصل منهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي اطلب لنا من الله غفر ذنوبنا (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) (٩٧) أي متعمدين للإثم في أمر يوسف (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) أي أدعو لكم ربي ليلة الجمعة وقت السحر ، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٩٨) فقام إلى الصلاة في وقت السحر ، فلما فرغ منها رفع يديه وقال : اللهم اغفر لي جزعي على يوسف ، وقلة صبري عليه ، واغفر لأولادي ما فعلوه في حق يوسف. فأوحى الله تعالى إليه إني قد غفرت لك ولهم أجمعين.
روي أن يوسف عليهالسلام وجّه إلى أبيه جهازا ومائتي راحلة مع إخوته ليأتوا بجميع أهله إلى مصر ، وهم يومئذ اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة ، وكانوا حين خرجوا من مصر مع موسى عليهالسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعين رجلا سوى الذرية والهرمى ؛ وكانت الذرية