وقال علي بن طلحة : أي من فلسطين (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أي من بعد أن أفسد الشيطان بيننا بالحسد (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) أي مدبر لما يشاء من خفايا الأمور فإذا أراد الله حصول شيء سهل أسبابه فحصل ، وإن كان في غاية البعد عن الحصول عند العقول (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بالوجه الذي يسهل تحصيل ذلك الصعب (الْحَكِيمُ) (١٠٠) أي المحكم في فعله مبرأ عن العبث والباطل.
وروي أن يعقوب عليهالسلام أقام معه أربعا وعشرين سنة فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده إلى الشام ويدفنه عند قبر أبيه إسحاق فلما مات بمصر حمله يوسف وجعله في تابوت من ساج فوافق ذلك موت عيص أخي يعقوب ، وكانا قد ولدا في بطن واحد فدفنا في قبر واحد ، وكان عمرهما مائة وسبع وأربعين سنة فلما دفن يوسف أباه رجع إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة فلما تم أمره وعلم أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله حسن العاقبة فقال : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) أي بعضا منه وهو ملك مصر (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي بعضا من تعبير الرؤيا (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يا خالقهما (أَنْتَ وَلِيِّي) أي أنت الذي تتولى إصلاح جميع مهماتي (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) دعا يوسف بذلك مع علمه بأن كل نبي لا يموت إلا مسلما إظهارا للعبودية والافتقار ، وشدة الرغبة في طلب سعادة الخاتمة ، وتعليما لغيره. والمطلوب هاهنا كمال حال المسلم وهو أن يستسلم لحكم الله تعالى على وجه يستقر قلبه على ذلك الاستسلام ، ويرضى بقضاء الله وقدره ويكون مطمئن النفس منشرح الصدر منفسح القلب في ذلك ، وهذه الحالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) أي بآبائي المرسلين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب في ثوابهم ودرجاتهم في الجنة وولد ليوسف أفراثيم وميشا ، وولد لأفرائيم نون وولد لنون يوشع فتى موسى عليهالسلام ، ولقد توارثت الفراعنة من العمالقة مصر بعد يوسف ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف ، وآبائه إلى أن بعث الله تعالى موسى عليهالسلام (ذلِكَ) أي خبر يوسف وإخوته (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) الذي لا يحوم حوله أحد (نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي عند إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي حين عزموا على إلقائهم يوسف في غيابة الجب (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (١٠٢) أي والحال أنهم يحتالون بيوسف ويريدون بذلك قتل يوسف أي ذلك الخبر لا سبيل إلى معرفتك إياه إلا بالوحي ، وأما ما ينقله أهل الكتاب فليس على ما هو عليه ، ومثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور فيكون معجزا ، لأن محمدا لم يطالع الكتب ولم يأخذ عن أحد من البشر وما كانت بلده بلد العلماء فإتيانه بهذه القصة على وجه لم يقع فيه غلط كيف لا يكون معجزا (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) وهم قريش واليهود (وَلَوْ حَرَصْتَ) أي بالغت في طلب إيمانهم بإظهار الآيات الدالة على صدقك (بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) لإصرارهم على العناد.
روي أن اليهود وقريشا لما سألوا عن قصة يوسف وعدوا أن يسلموا فلما أخبرهم بها على