ملكا. والمعنى كيف يتعجبون من إرسالنا إياك مع أن سائر الرسل الذين كانوا من قبلك بشر مثلك حالهم كحالك ولم يبعث الله رسولا من أهل البادية. قال صلىاللهعليهوسلم : «من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل» (١). وقرأ حفص عن عاصم «نوحي» بالنون مبنيا للفاعل. والباقون بالياء مبنيا للمفعول (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أي أهل مكة (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كيف صار آخر أمر المكذبين للرسل والآيات ممن قبلهم فيعتبروا بما حل بهم من عذابنا (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي الجنة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) معاصي الله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠٩).
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتاء على الخطاب لأهل مكة. والباقون على الغيبة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أي لا يغررهم تماديهم فيما هم فيه من الراحة والرخاء فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا).
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الذال المكسورة. والمعنى وظن القوم أن الرسل أخلفوا في وعدهم بالنصر ، أي أخلف الله وعده لرسلهم بالنصر. وقرأ الباقون بالتشديد. والمعنى وظن الرسل أنهم قد كذبهم الأمم الذين آمنوا بهم بما جاءوا به من الله وهذا التأويل منقول عن عائشة رضياللهعنها وهو أحسن الوجوه ، وقالت : إن البلاء لم يزل من الأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم (جاءَهُمْ نَصْرُنا) لهم بهلاك أعدائهم (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) هم الرسل والمؤمنون بهم. وقرأ ابن عامر وعاصم بنون واحدة فعل ماض مبني للمفعول. والباقون بنونين الثانية ساكنة وبسكون الياء فعل مضارع (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) أي عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١١٠) أي المشركين إذا نزل بهم (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) بفتح القاف أي قصص يوسف وإخوته وأبيه عليهمالسلام. وقرئ بكسر القاف أي قصص الأنبياء وأممهم (عِبْرَةٌ) أي عظة عظيمة (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي لذوي العقول الذين انتفعوا بمعرفتها (ما كانَ) أي هذا القرآن فقد تقدم ذكره في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [طه : ١١٣] (حَدِيثاً يُفْتَرى) فلا يصح من محمد أن يختلق فيه ولا يصح الكذب من القرآن فليس بكذب في نفسه (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي ولكن كان القرآن مصدق الكتب التي قبله (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) أي ومبينا بين الحلال والحرام وسائر ما يتصل بالدين (وَهُدىً) في الدنيا من الضلالة (وَرَحْمَةً) أي سببا لحصول الرحمة من العذاب يوم القيامة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١١١) أي يصدقونه فإنهم المنتفعون به.
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الأضاحي ، باب : في اتباع الصيد ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب : ٦٩ ، والنسائي في كتاب الصيد ، باب : اتباع الصيد ، وأحمد في (م ١ / ص ٣٥٧) ، وفيه «من سكن البادية» بدل «من بدا».