الخلق بالإيجاد والإعدام والإحياء ، والإماتة والإغناء والإفقار ، وبإنزال الوحي ، وبعثة الرسل وتكليف العباد (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يحدث الله بعض الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته عقب بعض على سبيل التمييز والتفصيل (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (٢) أي لكي تصدقوا بالبعث بعد الموت فهذه الدلائل المذكورة كما تدل على وجود الصانع تدل على صحة القول بالحشر والنشر ، لأن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها على كثرتها فلأن يقدر على النشر والحشر أولى. ويروى أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب رضياللهعنه : كيف يحاسب الله الخلق دفعة واحدة؟ فقال : كما يرزقهم الآن دفعة واحدة ، وكما يسمع نداءهم ، ويجيب دعاءهم الآن دفعة واحدة. (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي بسطها طولا وعرضا على الماء (وَجَعَلَ فِيها) أي الأرض (رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت أوتادا لها (وَأَنْهاراً) أي مجاري للماء واسعة لمنافع الخلق (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي وجعل كل نوع من أنواع الثمرات الموجودة في الدنيا صنفين : إما في اللون كالأبيض والأسود ، أو في الطعم : كالحلو والحامض ، أو في القدر : كالكبير والصغير أو في الكيفية : كالحار والبارد وما أشبه ذلك. (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يستر النهار بالليل (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من مد الأرض وإيتادها بالرواسي وإجراء الأنهار ، وخلق الثمرات ، وإغشاء الليل النهار (لَآياتٍ) دالة على وحدانية الله تعالى (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) فيستدلون بالصنعة على الصانع وبالسبب على المسبب (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) أي بقاع مختلفة في الأوصاف (مُتَجاوِراتٌ) أي متقاربات فمنها أرض سبخة رديئة وبجنبها أرض عذبة جيدة ومنها صلبة وبقربها رخوة إلى غير ذلك والاختلاف من دلائل قدرته تعالى (وَجَنَّاتٌ) أي بساتين (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) أي تنبت من أصل واحد ثلاث نخلات فأكثر أي مجتمع أصول الأربعة مثلا في أصل واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي هو مفترق أصولها واحدة واحدة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم «وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان» كلها بالرفع عطفا على قوله : «وجنات». والباقون بالجر عطفا على «أعناب». وقرأ حفص عن عاصم في رواية القواس صنوان بضم الصاد والباقون بكسرها (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) في الطبع سواء كان السقي بماء الأمطار أو بماء الأنهار.
قرأ عاصم وابن عامر يسقي بالياء أي كل المذكور من القطع وما بعده. والباقون بالتاء أي جنات (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها) أي الجنات (عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) بضم الهمزة أي في المهيأ للأكل طعما وشكلا ورائحة ، وحلاوة وحموضة ، ولونا وقدرا ، ونفعا وضرا. وقرأ حمزة والكسائي «يفضل» بالياء عطفا على يدبر. والباقون بالنون (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي المفضل من أحوال القطع والجنات (لَآياتٍ) أي دلالات كثيرة ظاهرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤) أي يستعملون عقولهم في