من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم كرامة لهم وتعظيما لشأنهم وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة وقوله : «جنات عدن» بيان لـ «عقبى» أو خبر مبتدأ مضمر. (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) (٢٣) لكل واحد منهم خيمة من درة مجوفة لها أربعة آلاف باب لكل باب مصراع من ذهب يدخل عليهم من كل باب ملائكة يقولون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي سلمكم الله دعاء لهم وبشارة بدوام السلامة (بِما صَبَرْتُمْ) متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذه الكرامة العظمى بسبب صبركم على الطاعات ، وترك المحرمات ، وعلى المحن (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤) أي نعم عاقبة الدار التي كنتم عملتم فيها هذه الكرامات التي ترونها (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) أي لا يعملون مقتضى الأدلة (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) أي من بعد أن وثق الله تلك الأدلة ، أو المعنى يتركون فرائض الله من بعد توكيده (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) أي ما أوجب الله وصله فيدخل فيه وصل الرسول بمعاونة دينه ووصل سائر من له حق (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالدعاء إلى غير دين الله وبالظلم في النفوس والأموال (أُولئِكَ) أي الموصوفون بالقبائح (لَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي الأبعاد من خيري الدنيا والآخرة إلى نقمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٢٥) أي سوء عاقبة الدنيا (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده (وَيَقْدِرُ) أي يعطي من يشاء منهم بقدر كفايته لا يفضل عنه شيء أي إن فتح باب الرزق في الدنيا لا تعلق له بالكفر والإيمان ، بل هو متعلق بمجرد مشيئته تعالى فقد يوسع على الكافر استدراجا ، ويضيق على المؤمن امتحانا لصبره وتكفيرا لذنوبه ، فالدنيا دار امتحان (وَفَرِحُوا) أي فرح من بسط الله له رزقه من كفار مكة فرح بطر (بِالْحَياةِ الدُّنْيا) لا فرح سرور بفضل الله تعالى (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) (٢٦) أي إنهم رضوا بحظ الدنيا معرضين عن نعيم الآخرة ، والحال أن ما بطروا به في مقابلة ما أعرضوا عنه شيء قليل النفع سريع النفاد كمتاع البيت وزاد الراعي (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي هلا أنزل على محمد من ربه علامة لنبوته كما كانت للرسل الأولين (قُلْ) لهؤلاء المعاندين : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) عن دينه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) أي يرشد إلى دينه (مَنْ أَنابَ) (٢٧) أي من أقبل إليه أي ما أعظم عنادكم في الآيات التي ظهرت على يد الرسول إن الله يضل من كان على صفتكم من شدة الشكيمة على الكفر فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت عليهم كل آية طلبوها ، ويهدي إليه بأدنى آية جاء بها الرسول من كان على خلاف صفتكم (الَّذِينَ آمَنُوا) بما جاء به الرسول (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي بكلام الله أي إن علم المؤمنين بكون القرآن معجزا يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلىاللهعليهوسلم نبيا حقا من عند الله وإن شكهم في أنهم أتوا بالطاعات كاملة يوجب الوجل في قلوبهم. (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢٨) أي إن الإكسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهبا باقيا على كر الأزمان ، فإكسير جلال الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهرا صافيا نورانيا لا يقبل التغير (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ).