روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة». ويقال : طوبى شجرة في الجنة ساقها من ذهب وثمرها من كل لون ، وثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها فتنبت الحلي والحلل وأصلها في دار النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأغصانها متدليات في كل دار وغرفة في الجنة وتحتها كثبان المسك والعنبر والزعفران وينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل (وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩) أي مقر (كَذلِكَ) أي مثل إرسالنا الأنبياء إلى أمم وإعطائنا إياهم كتبا تتلى عليهم (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ) أي إلى جماعة كثيرة (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أي قد تقدمتها أمم كثيرة (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ) أي على أمتك (الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) فلما ذا اقترحوا غيره (وَهُمْ) أي والحال أن أمتك (يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) الذي رحمته وسعت كل شيء وما بهم من نعمة فمنه وكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وفي إنزال هذا القرآن المعجز عليهم.
روى الضحاك عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «اسجدوا للرحمن» أي اخضعوا بالصلاة وغيرها للرحمن أي الذي لا نعمة لكم إلا منه قالوا : وما الرحمن؟ متجاهلين في معرفته فضلا عن معرفة نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل. قال الله تعالى : (قُلْ) لهم يا أشرف الخلق : (هُوَ) أي الرحمن الذي أنكرتم معرفته (رَبِّي) أي خالقي ، ومبلغي إلى مراتب الكمال (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا مستحق للعبادة سواه. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري لا على أحد سواه (وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠) أي مرجعي في الآخرة. (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ) أي زعزعت بتلاوته (الْجِبالُ) من أماكنها كما فعل ذلك بالطور لموسى عليهالسلام (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أي شققت وجعلت أنهارا وعيونا كما فعل بالحجر حين ضربه موسى بعصاه أو جعلت قطعا بعيدة (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بعد أن أحييت بقراءته عليها كما أحييت لعيسى عليهالسلام لكان هو هذا القرآن لكونه ينطوي على عجائب آثار قدرة الله تعالى.
روي أن أهل مكة منهم أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية قعدوا في فناء الكعبة فأتاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم وعرض الإسلام عليهم ، فقال له عبد الله بن أمية المخزومي : إن سرّك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن فادفعها عنا حتى ينفسح المكان علينا ، لأنها ضيقة لمزارعنا ، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنغرس الأشجار ، ونزرع ، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخّر له الجبال تسير معه ، أو سخر لنا الريح لنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ، ونرجع في يومنا كما سخرت لسليمان فلست بأهون على ربك من سليمان كما زعمت أو أحيي لنا جدك قصيا لنسأله أحق ما تقول أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى ولست بأهون على الله منه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) إلخ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أي بل الله الأمر الذي يدور عليه فلك