الأكوان وجودا وعدما إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل فالله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أي أغفل المؤمنون عن كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هداية جميع الناس إلى دينه لهداهم ، لكنه تعالى لم يشأها فلم يظهر ما اقترحوا من الآيات قيل : لما سأل الكفار تلك الآيات طمع المؤمنون في إيمانهم فطلبوا نزولها ليؤمنوا ، وعلم الله أنهم لا يؤمنون برؤيتها (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) من سوء أعمالهم (قارِعَةٌ) أي داهية تقرعهم بما ينزل الله عليهم في كل وقت من أنواع البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) أي أو تنزل تلك القارعة مكانا قريبا منهم فيفزعون منها (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) وهو موتهم أو القيامة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١) أي الوعد والمقصود من هذا تقوية قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم وإزالة الحزن عنه (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي إن أقوام سائر الأنبياء استهزءوا بهم كما أن قومك استهزءوا بك (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي فتركتهم بعد الاستهزاء مدة طويلة في راحة وأمن (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعقوبة (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) (٣٢) أي على أيّ حالة كان عقابي إياهم هل كان ظلما لهم أو كان عدلا (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) أي أفمن هو حافظ كل نفس مع ما عملت من خير وشر وهو الله القادر على كل الممكنات العالم بجميع الجزئيات والكليات كالأصنام التي لا تضر ولا تنفع : (وَجَعَلُوا) أي الكفار (لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) أي سموهم بالآلهة وهذا أمر على سبيل التهديد. والمعنى سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به فإنها لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها لحقارتها. (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي أتقدرون على أن تخبروا الله بشركاء مستحقين للعبادة لا يعلمهم الله تعالى أم تتفوهون بإظهار قول من غير اعتبار معنى؟ أي أتقولون بأفواهكم من غير فكر وأنتم ألباء فتفكروا في ذلك لتعلموا بطلانه! وإنّما خصّ بنفي الشريك عن الأرض وإن لم يكن له تعالى شريك ألبتة ، لأن الكفار ادعوا أن له تعالى شركاء في الأرض لا في غيرها. (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي تمويههم الأباطيل فإنهم أظهروا أن شركاءهم آلهة حقا وهم يعلمون بطلان ذلك وليس فيهم في الباطن إلا تقليد الآباء (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ).
قرأ عاصم وحمزة والكسائي هنا ، وفي «حم المؤمن» بضم الصاد أي منعوا عن سبيل الحق. والباقون بفتح الصاد أي أعرضوا عنه أو صرفوا غيرهم عنه. وقرئ بكسر الصاد على نقل حركة الدال المكسورة إليها. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن دينه بسوء اختياره (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٣) أي موفق للهدى (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والسبي واغتنام الأموال واللعن (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي أشد من عذاب الدنيا بالقوة وكثرة الأنواع وعدم الانقطاع وعدم اختلاط شيء من الراحة (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي عذابه (مِنْ واقٍ) (٣٤) أي حافظ يعصمهم من ذلك (مَثَلُ الْجَنَّةِ) أي صفة الجنة (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) عن