مكتوب فيه كما هو. فالحكمة فيه أن يظهر للملائكة كونه تعالى عالما بجميع المعلومات على سبيل التفصيل ، فعند الله كتابان كتاب يكتبه الملائكة على الخلق : وهو محل المحو والإثبات ، وكتاب كتبه القلم بنفسه في اللوح المحفوظ : وهو الباقي.
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كان الله ولا شيء ثم خلق اللوح وأثبت فيه أحوال جميع الخلق إلى قيام الساعة». اعلم أن القوم كانوا يذكرون أنواعا من الشبهات في إبطال نبوة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم.
فالشبهة الأولى : إنهم عابوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكثرة الزوجات وبأكل الطعام والمشي في الأسواق ، وبكونه من جنس البشر. وقالوا : لو كان محمد رسولا من عند الله لما اشتغل بالنسوة بل كان مشتغلا بالنسك والزهد وقالوا : الرسول الذي يرسله الله إلى الخلق لا بد وأن يكون من جنس الملائكة ، وقالوا : لو كان محمد رسولا من الله لما أكل الطعام ولما مشى في الأسواق فأجاب الله تعالى عن ذلك بقوله ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية أي إن الأنبياء الذين كانوا قبل محمد كانوا من جنس البشر فاتصفوا بصفاته من الزواج والأكل ونحو ذلك ولم يقدح ذلك في نبوتهم فكيف يجعلون ذلك قادحا في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
والشبهة الثانية : قولهم : لو كان محمد رسولا من عند الله لكان أي شيء طلبناه من المعجزات أتى به ، ولم يتوقف فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي إن المعجزة الواحدة كافية في إظهار الحجة ، فالزائدة عليها مفوضة إلى مشيئة الله تعالى إن شاء أظهرها وإن شاء لم يظهرها.
والشبهة الثالثة : أنه صلىاللهعليهوسلم كان يخوفهم بنزول العذاب فيهم وظهور النصرة له ولأصحابه فلما تأخر ذلك طعنوا في نبوته صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : لو كان محمد نبيا لما ظهر كذبه فأجاب الله تعالى عنه بقوله : لكل أجل كتاب أي إن نزول العذاب على الكفار وظهور النصرة للأولياء قضى الله بحصولهما في أوقات مخصوصة ولكل حادث وقت معين ولكل أجل كتاب فقبل حضور ذلك الوقت لا يحدث ذلك الحادث فتأخر تلك المواعيد لا يدل على كونه صلىاللهعليهوسلم كاذبا.
والشبهة الرابعة : قولهم : لو كان محمد صادقا في دعوى الرسالة لم ينسخ الأحكام التي نص الله تعالى على ثبوتها في الشرائع المتقدمة لكنه حرفها كما في القبلة ونسخ أكثر أحكام التوراة والإنجيل فوجب أن لا يكون نبيا فأجاب الله عنه بقوله يمحو الله ما يشاء ويثبت : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) أي إن نرك (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) به من العذاب في حياتك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي نقبضنك قبل أن نرينك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي سواء أريناك بعض ما وعدناهم من العذاب الدنيوي في حياتك أو توفيناك قبل ظهوره ، فالواجب عليك تبليغ أحكام الله تعالى وأداء رسالته وأمانته ، فلا تهتم بما