ووقوفهم على المقصود أكمل (فَيُضِلُّ اللهُ) عن دينه (مَنْ يَشاءُ) أي يمنع ألطافه تعالى به (وَيَهْدِي) لدينه بمنح الألطاف (مَنْ يَشاءُ) فتقوية البيان لا توجب حصول الهداية فربما قوي البيان ولا تحصل الهداية وربما ضعف البيان ، وحصلت الهداية لأن الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) فلا يغالب في مشيئته ولا يفعل شيئا إلا لحكمة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) وهي معجزاته التي أظهرها لبني إسرائيل (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ) أي ظلمات الكفر (إِلَى النُّورِ) أي نور الإيمان فإن مفسرة لأرسلنا (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي بنعم الله عليهم كانفلاق البحر وتظليل الغمام وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل فيما سلف من الأيام وببأس الله عليهم ، وهي أيامهم تحت قهر فرعون ، وبعذاب الله من كذب الرسل فيما سلف من الأيام كما نزل بعاد وثمود وغيرهم ليرغبوا في الوعد فيصدقوا وليحذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في التذكير بالوقائع (لَآياتٍ) أي دلائل (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥). وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد الأمرين الصبر والشكر ، لأن الحال إما أن يكون حال بلية أو حال عطية فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه كان شكورا ، وإن جرى بما لا يلائم طبعه كان صبورا فالانتفاع بهذا التذكير لا يكون إلا لمن كان صابرا أو شاكرا (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي مستقرة عليكم (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي وقت إنجائه إياكم منهم (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي يطلبون منكم الأعمال الشاقة (وَيُذَبِّحُونَ) تذبيحا كثيرا (أَبْناءَكُمْ) صغارا (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يستخدمونهن كبارا بالاستحياء ويبقونهن منفردات عن الرجال (وَفِي ذلِكُمْ) أي المذكور من الأفعال الفظيعة (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٦) لا يطاق وفي الخلاص من ذلك نعمة عظيمة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أي واذكروا حين أعلم ربكم في الكتاب وفي قراءة ابن مسعود رضياللهعنه وإذ قال ربكم : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) يا بني إسرائيل نعمة الإنجاء وإهلاك العدو وغير ذلك بالإيمان الخالص والعمل الصالح (لَأَزِيدَنَّكُمْ) نعمة إلى نعمة وحقيقة الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه ومزيد النعم الجسمانية أن كل من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر كان وصول نعم الله إليه أكثر ، ومزيد النعم الروحانية أن النفس إذا اشتغلت بمطالعة أنواع فضل الله وإحسانه أوجب ذلك الاشتغال تأكد محبة العبد لله تعالى ، ثم قد يترقى العبد من ذلك الحالة إلى أن يصير حبه للمنعم شاغلا له عن الالتفات إلى النعم فالشكر مقام شريف يوجب السعادة في الدين والدنيا. (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أي أنكرتم نعمتي فعسى يصيبكم عذابي (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٧) وكفران النعمة لا يكون إلا عند الجهل بكون تلك النعمة نعمه من الله تعالى والجاهل بها جاهل بالله والجهل بالله من أعظم أنواع العذاب (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا) نعمة تعالى ولم تشكروها (أَنْتُمْ) يا بني إسرائيل (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لم يرجع ضرر الكفر إلا عليكم (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن شكر