تنبيه : قوله «ليس البر» هو اسم جامع لكل طاعة ، ثم قوله : ولكن البر هو اسم فاعل والأصل برر بكسر الراء الأولى فلما أريد الإدغام نقلت كسرة الراء إلى الباء بعد سلب حركتها أو مصدر بمعنى اسم الفاعل الذي هو البار كما هو القراءة الشاذة ، واختلف في المخاطب بهذه الآية. فقال بعضهم : المراد مخاطبة اليهود لما شددوا في الثبات على التوجه جهة بيت المقدس.فقال تعالى : ليس البر هذه الطريقة ولكن البر من آمن بالله. وقال بعضهم : بل المراد مخاطبة المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجه إلى الكعبة من حيث كانوا يحبون ذلك فخوطبوا بهذا الكلام. وقال بعضهم : بل هو خطاب للكل. وقال الله تعالى : إن صفة البر لا تحصل بمجرد استقبال المشرق والمغرب بل البر لا يحصل إلا عند مجموع أمور.
أحدها : الإيمان بالله فأهل الكتاب أخلّوا بذلك فإن اليهود قالوا بالتجسيم ووصفوا الله تعالى بالبخل ، وقالوا عزير ابن الله. وأن النصارى قالوا : المسيح ابن الله.
وثانيها : الإيمان باليوم الآخر ، فاليهود أخلّوا بهذا الإيمان حيث قالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة والنصارى أنكروا المعاد الجسماني.
وثالثها : الإيمان بالملائكة ، فاليهود أخلّوا بذلك حيث أظهروا عداوة جبريل عليهالسلام.
ورابعها : الإيمان بكتب الله ، فاليهود والنصارى قد أخلّوا بذلك حيث لم يقبلوا القرآن.
وخامسها : الإيمان بالنبيين ، واليهود أخلّوا بذلك حيث قتلوا الأنبياء وطعنوا في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وسادسها : بذل الأموال على وفق أمر الله تعالى ، واليهود أخلّوا بذلك لأنهم يلقون الشبهات لطلب المال القليل.
وسابعها : إقامة الصلوات والزكوات ، فاليهود كانوا يمنعون الناس منهما.
وثامنها : الوفاء بالعهد ، واليهود نقضوا العهد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) أي فرض عليكم المماثلة وصفا وفعلا (فِي الْقَتْلى) أي بسبب قتل القتلى عند مطالبة الولي بالقصاص (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) أي الحر يقتل بقتل الحر لا بقتل العبد (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) وبالحر من باب أولى (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) وبيّنت الأحاديث أنه يقتل أحد النوعين الذكر والأنثى بالآخر ويعتبر أن لا يفضل القاتل القتيل بالدين والأصلية والحرية. (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) أي فمن سهل له من أولياء الدم من أخيه الذي هو القاتل شيء من المال فعلى ولي الدم مطالبة ذلك المال من ذلك القاتل من غير تشديد بالمطالبة ، وعلى القاتل أداء الدية إلى ولي الدم من غير