الله لهم سحابة كالظلة ، فالتجأوا إليها واجتمعوا تحتها للتظلل بها ، فبعث الله عليهم منها نارا ، فأحرقتهم جميعا. (وَإِنَّهُما) أي قريات لوط وقريات شعيب (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) (٧٩) أي لفي طريق واضح يمر أهل مكة عليهما (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠) أي صالحا وجملة المرسلين فالقوم براهمة منكرون لكل الرسل ، والحجر واد بين المدينة الشريفة والشام وآثاره باقية يمر عليها ركب الشام في ذهابه إلى الحجاز ؛ وكان ثمود يسكنونه. (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) أي أعطيناهم الناقة ، وكان فيها آيات كثيرة كخروجها من الصخرة ، وعظم جثتها وقرب ولادتها عند خروجها من الصخرة وكثرة لبنها وشربها (فَكانُوا عَنْها) أي تلك الآيات (مُعْرِضِينَ) (٨١) فلا يستدلون بها على صدق صالح عليهالسلام حتى قتلوا الناقة (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢) من الانهدام ونقب اللصوص ، وتخريب الأعداء لوثاقتها (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) (٨٣) أي صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم عند الصباح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) أي فلم يدفع عنهم ما كانوا يعملون من تحت تلك الجبال بنقرها بالمعول وجمع الأموال ما نزل بهم من البلاء (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا بسبب العدل فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك يا أكرم الرسل (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فإن الله لينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك على حسناتك ويجازيهم على سيئاتهم (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) أي أعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم إعراضا جميلا بحلم. والمقصود من هذا الكلام أن يظهر الرسول الخلق الحسن والعفو فلا يكون منسوخا (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٨٦) أي إنه تعالى خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم وتفاوت أحوالهم وعلم كونهم كذلك لمحض إرادته (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) أي سبع آيات هي المثاني وهي الفاتحة وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة ، والحسن وأبي العالية ، ومجاهد ، والضحاك ، وسعيد بن جبير ، وقتادة.
وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ الفاتحة وقال : «هي السبع المثاني». وقيل : سميت الفاتحة مثاني لأنها قسمان ثناء ودعاء ، وأيضا النصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧) وهذا من عطف الكل على البعض فبعض الشيء مغاير لمجموعه فيكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف. ونقل عن ابن عباس وطاوس أن السبع المثاني هو القرآن كله. وعلى هذا فهو عطف أحد الوصفين على الآخر مع وحدة ذات الموصوف وإنما حسن العطف لاختلاف اللفظين فإن القرآن سبعة أسباع كل سبع صحيفة وكله مثان أمر ونهي ووعد ووعيد ، وحلال وحرام ، وناسخ ومنسوخ ، وحقيقة ومجاز ، ومحكم ومتشابه ، وخبر ما كان وما يكون ، ومدحة لقوم ومذمة لقوم. وسبب نزول هذه الآية أن سبع قوافل أقبلت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز والطيب