مماطلة وبخس بل على بشر وطلاقة ، وقول جميل ومعنى هذه الآية إن الله تعالى حثّ الأولياء إذا دعوا إلى الصلح من الدم على الدية كلها أو بعضها أن يرضوا به ويعفو عن القود. (ذلِكَ) أي الحكم من جواز القصاص والعفو عنه على الدية (تَخْفِيفٌ) في حقكم (مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) للقاتل من القتل لأن العفو وأخذ الدية محرمان على اليهود بل فرض عليهم القصاص وحده والقصاص والدية محرمان على النصارى بل فرض عليهم العفو على الإطلاق وفي ذلك تضييق على كل من الوارث والقاتل ، وهذه الأمة مخيّرة بين الثلاث : القصاص ، والدية ، والعفو تيسيرا عليهم (فَمَنِ اعْتَدى) أي جاوز الحد (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد بيان كيفية القصاص والدية (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٨) أي شديد الألم في الآخرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أي ولكم في مشروعية القصاص حياة لأن من أراد قتل الشخص إذا علم القصاص ارتدع عن القتل فيتسبب لحياة نفسين ولأن الجماعة يقتلون بالواحد فتنتشر الفتنة بينهم فإذا اقتص من القاتل سلم الباقون فيكون ذلك سببا لحياتهم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي ذوي العقول الخالية من الهوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧٩) أي لكي تتقوا المساهمة في أمره وترك المحافظة عليه. (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) أي فرض عليكم الوصية للوالدين والأولاد كما قاله عبد الرحمن بن زيد أو الرحم غير الوالدين ، كما قاله ابن عباس ومجاهد بالعدل بحسب استحقاقهم فلا يفضل الغني ولا يتجاوز الثلث إذا ظهرت على أحدكم أمارات الموت كالمرض المخوف إن ترك مالا.
قال الأصم : إنهم كانوا يوصون للأبعدين طلبا للفخر والشرف ويتركون الأقارب في الفقر والمسكنة فأوجب الله تعالى في أول الإسلام الوصية لهؤلاء منعا للقوم عمّا كانوا اعتادوه (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (١٨٠) أي حق ذلك حقا على الموحدين (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي الوصية من وصي وشاهد إما بإنكار الوصية من أصلها أو بالنقص فيها أو بتبديل صفتها أو غير ذلك (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) أي بعد علم الوصية (فَإِنَّما إِثْمُهُ) أي التبديل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) أي الوصية لا على الميت لأنهم خانوا وخالفوا حكم الشرع (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لوصية الميت (عَلِيمٌ) (١٨١) بالمبدل فيجازي الميت بالخير والمبدل بالشر (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ) قرأه شعبة وحمزة والكسائي بفتح الواو وتشديد الصاد أي من علم من ميت (جَنَفاً) أي ميلا عن الحق بالخطإ في الوصية (أَوْ إِثْماً) أي عمدا في الميل في الوصية (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي فعل ما فيه الصلاح بين الوصي والموصى لهم برده إلى الثلث والعدل (فَلا إِثْمَ) أي على من علم ذلك في هذا الصلح وإن كان فيه تبديل لأنه تبديل باطل بحق بخلاف الأول (عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للميت إن جار وأخطأ للوصي (رَحِيمٌ) (١٨٢) للوصي حيث رخص عليه الرد إلى الثلث والعدل. ومعنى الآية بأن الميت إذا أخطأ في وصيته أو جار فيها متعمدا فلا إثم على من علم ذلك أن يغيّره ويرده إلى الصلاح بعد موته وهذا قول ابن عباس وقتادة والربيع. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء عليهم