وأصحابه (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤٥) أي في حال غفلتهم فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط (أَوْ يَأْخُذَهُمْ) بالعقوبة (فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي في أسفارهم وحركتهم إقبالا وإدبارا (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦) أي وهم لا يعجزون الله بسبب سفرهم في البلاد البعيدة بل يدركهم الله حيث كانوا (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي على أن ينقص شيئا بعد شيء في أموالهم وأنفسهم حتى يهلكوا ، أو على مخافة من العذاب بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) حيث لا يعاجلكم بالعقوبة ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) أي ألم ينظر أهل مكة ولم يروا بأبصارهم إلى جسم قائم له ظل من جبل وشجر وبناء يرجع ظلاله من المشرق ومن المغرب واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد (وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨) أي منقادون لقدرة الله تعالى وتدبيره ولما وصفت الظلال بالانقياد لأمره تعالى أشبهت العقلاء ، فعبر عنها بلفظ «من يعقل». وقرأ حمزة والكسائي «تروا» بالتاء على الخطاب. وقرأ أبو عمرو وحده «تتفيؤا» بالتاء. (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم (وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) عطف على «ما في السموات». ولما بيّن الله تعالى أولا أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى. بيّن بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى فأخسها الدواب وأشرفها الملائكة. وذلك دليل على أن كل المخلوقات منقادة لله تعالى. (وَهُمْ) أي الملائكة مع علو شأنهم (لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩) عن عبادته تعالى (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) وهذه الجملة بيان لقوله : «لا يستكبرون» أو حال من ضميره ، أي خائفين لمالك أمرهم خوف هيبة وإجلال وهو فوقهم بالقهر (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠) به من الطاعات والتدبيرات فبواطنهم وظواهرهم مبرأة من الأخلاق الفاسدة والأفعال الباطلة (وَقالَ اللهُ) لجميع المكلفين : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) أي لا تعبدوا الله والأصنام ولما بين الله تعالى أولا أن كل ما سوى الله سواء كان من عالم الأرواح ، أو من عالم الأجسام فهو منقاد خاضع لجلال الله تعالى أتبعه في هذه الآية بالنهي عن الشرك. والمقصود من التكرير تأكيد التنفير عن الإشراك بالله ، وتكميل وقوف العقل على ما فيه من القبح (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي لما دلت الدلائل السابقة على أنه لا بد للعالم من الإله وقد ثبت أن وجود الإلهين محال ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١) أي إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني لا غير فإني ذلك الواحد الذي يسجد له ما في السموات والأرض ولما كان الإله واحدا والواجب لذاته واحدا كان كل ما سواه حاصلا بتخليقه وإيجاده فثبت أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، لأن أفعال العباد من جملة ما في السموات والأرض ووجب أن يكون جميع المخلوقات في ملكه وتصرفه وتحت قهره. وذلك قوله تعالى : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خلقا وملكا (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي لله تعالى الطاعة دائما فليس من أحد يطاع إلا انقطعت تلك الطاعة بالموت أو بسبب في حال الحياة إلا الله تعالى فإن طاعته واجبة