كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية وتارة خوفا من الفقر ولزوم النفقة (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩) حكمهم هذا حيث يجعلون له تعالى ما عادته عندهم حقارة. والحال أنهم يتباعدون عنه (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث بعد الموت (مَثَلُ السَّوْءِ) أي الصفة القبيحة وهي احتياجهم إلى الولد ليقوم مقامهم عند موتهم وللاستعلاء به وكراهتهم الإناث خوف الفقر والعار مع احتياجهم إليهن للنكاح (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي الصفة المقدسة وهي صفة الألوهية المنزهة عن صفات المخلوقين وعن الولد (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي المنفرد بكمال القدرة (الْحَكِيمُ) (٦٠) أي الذي يفعل ما يفعل بالحكمة البالغة (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها) أي الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) أي لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ومعصية لا يبقى لهم نسل فيلزم أن لا يبقى في العالم أحد من الناس فحينئذ لا يبقى في الأرض أحد من الدواب أيضا ، لأنها مخلوقة لمنافع البشر (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي معين عند الله تعالى لأعمارهم ليتوالدوا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ) عن ذلك الأجل (ساعَةً) أي فذة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١) وإنما ذكر الاستقدام مع أنه لا يتصور عند مجيء الأجل مبالغة في بيان عدم الاستئخار بنظمه في سلك ما يمتنع (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) أي وينسبون إليه تعالى البنات التي يكرهونها لأنفسهم (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) بدل من الكذب أي يصفون أنفسهم بأنهم فازوا برضوان الله تعالى بسبب إثبات البنات له تعالى وبأنهم على الدين الحق (لا جَرَمَ) أي ثبت (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) التي ليس وراء عذابها عذاب (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٦٢) أي متروكون في النار. وقرأ نافع وقتيبة عن الكسائي بكسر الراء أي مفرطين على أنفسهم في الذنوب (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا) رسلا (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) فدعوهم إلى الحق (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة فرأوها حسنة فكذبوا الرسل (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) أي فالشيطان متول أمورهم في الدنيا بإغوائهم وقرينهم في النار (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣) هو عذاب النار (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي إلا لتبين للناس بواسطة بيانات القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها من التوحيد والشرك والجبر والقدر وأحوال المعاد والأحكام كتحريم الميتة وتحليل نحو البحيرة (وَهُدىً وَرَحْمَةً) أي وللهداية من الضلالة وللرحمة من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) بالقرآن لأنهم المغتنمون آثاره (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي والله خلق السماء على وجه ينزل منه الماء ، ويصير ذلك الماء سببا لنبات الزرع والشجر ولخروج النور والثمر (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنزال الماء وإحياء الأرض اليابسة (لَآيَةً) دالة على وحدته تعالى وعلمه وقدرته وحكمته (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٥) هذه المواعظ سماع تفكر ، لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) عظيمة إذا تفكرتم فيها (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) أي الأنعام.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي «نسقيكم» بضم النون.