حصلت هذه النعم بشفاعة هذه الأصنام (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٨٣) أي المنكرون بقلوبهم غير مقرين بأن هذه النعم من الله (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) أي وخوفهم يوم نأتي (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يشهد لهم بالإيمان وعليهم بالكفر وهو نبيها ، (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار وفي كثرة الكلام ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمة الله تعالى (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٨٤) أي لا يكلفون أن يرضوا ربهم بالعبادات فلا يقال لهم : ارضوا ربكم بالتوبة لأن الآخرة ليست بدار عمل وإنما هي دار الجزاء (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر (الْعَذابَ) أي عذاب جهنم بعد شهادة الشهداء (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) ذلك العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٨٥) أي يمهلون فعذابهم يكون دائما لأن التوبة هناك غير موجودة (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي إذا أبصروا يوم القيامة (شُرَكاءَهُمْ) أي الأصنام التي يسمونها شركاء الله تعالى (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا) أي آلهتنا (الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا) أي نعبدهم (مِنْ دُونِكَ) أي هؤلاء الذين كنا نقول : إنهم شركاء الله في المعبودية (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (٨٦) أي فبادر شركاؤهم بالجواب إلى المشركين بقولهم : إنكم لكاذبون في قولكم إنا نستحق العبادة وإنكم عبدتمونا حقيقة بل إنما عبدتم أهواءكم.
والمعنى أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي أسرع المشركون إلى الله يومئذ الانقياد لحكم الله فأقروا بالبراءة عن الشركاء وبربوبية الله بعد أن كانوا في الدنيا متكبرين عنه لما عجزوا عن الجواب لكن الانقياد في هذا اليوم لا ينفعهم لانقطاع التكليف فيه (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٨٧) أي ذهب عنهم افتراؤهم على الله من أن لله شريكا وبطل أملهم من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا) في أنفسهم (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي منعوا الناس عن الدخول في الإسلام وحملوهم على الكفر (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) أي بحيات وعقارب ، وجوع وعطش ، وزمهرير وغير ذلك فيخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة البرد إلى النار (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (٨٨) بذلك الصد (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهو أعضاؤهم. فالله تعالى ينطق عشرة من أعضاء الإنسان حتى إنها تشهد عليه وهي العينان والأذنان ، والرجلان ، واليدان ، والجلد واللسان (وَجِئْنا بِكَ) يا سيد الرسل (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) أي الأمم كلهم (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) من أمور الدين ينص فيه على بعضها وبإحالته لبعضها على السنّة أو على الإجماع ، أو على القياس فكانت السنّة والإجماع والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب (وَهُدىً وَرَحْمَةً) للعالمين فإن حرمان الكفرة من مغانم آثار الكتاب من تفريطهم لا من جهة الكتاب (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٨٩) خاصة لأنهم المنتفعون بذلك (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي بالتوسط في الأمور وهو رأس الفضائل كلها فيندرج تحته فضيلة القوة العقلية ، فالحكمة