الدنيا وهذا إشارة إلى الكسب الذي عليه يدور أمر الهداية والضلال (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) أي خديعة (بَيْنَكُمْ) أي لا تنقضوا عهدكم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإيمان به وبشرائعه (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) على الطريق الحق بالإيمان أي فتزلوا عن طاعة الله فإن من نقض عهد الإسلام فقد سقط عن الدرجات العالية ووقع في الضلالة (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) أي العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي بامتناعكم عن دين الله وبصرفكم الناس عنه بأيمانكم التي أردتم بها خفاء الحق (وَلَكُمْ) مع ذلك في الآخرة (عَذابٌ عَظِيمٌ) (٩٤) أي غير منفك إذا متم على ذلك (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) أي لا تأخذوا بمقابلة بيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عرض الدنيا ؛ وكانت قريش يعدون ضعفة المسلمين على الارتداد بحطام الدنيا ، أي إنكم وإن وجدتم على نقض عهد الإسلام خيرا من خيرات الدنيا لا تلتفوا إليه وإن كان كثيرا ، لأن الذي أعده الله تعالى على الاستمرار على الإسلام أفضل مما تجدونه في الدنيا على نقض عهد الإسلام (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من ثواب الدارين الغنيمة والثواب الأخروي (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) مما يعدونه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩٥) تفاوت ما بين العوضين (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) وإن جمّ عدده (وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته الدنيوية والأخروية (باقٍ) لا نفاد له. (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) على مشاق التزام شرائع الإسلام (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦) أي بحسب أحسن أفراد أعمالهم. والمعنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل ؛ وفي هذا من العدة الجميلة باغتفار ما قد يطرأ عليهم في أثناء الصبر من بعض جزع وينظمه في سلك الصبر الجميل.
وقرأ ابن كثير وعاصم «ولنجزينهم» بنون العظمة على طريقة الالتفات. والباقون بالياء من غير التفات «واللام» لام قسم أي والله ليجزين الله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) في الدنيا فيعيش عيشا طيبا فالموسر ظاهر ، والمعسر يطيب عيشه بالقناعة ، والرضا بالقسمة وتوقع الأجر العظيم ، فإن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالى والقلب إذا كان مملوءا من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا ، أما قلب الجاهل فإنه خال عن معرفة الله تعالى فيصير مملوءا من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) في الآخرة (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧) أي بجزاء أحسن من أعمالهم (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨) أي فإذا أردت قراءة القرآن فاسأل الله أن يعصمك من وساوس الشيطان المطرود من رحمة الله لئلا يوسوسك في القراءة ، أي فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وهذا الأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند عطاء وحيث أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالاستعاذة عند قراءة القرآن فما ظنكم بمن عداه صلىاللهعليهوسلم فيمن عدا القراءة من الأعمال! (إِنَّهُ) أي الشيطان (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) أي تسلط (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٩٩)