جندل بن سهل والوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعبد الله بن أسد الثقفي فتنهم المشركون وعذبوهم فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ، ثم إنهم بعد ذلك هاجروا وجاهدوا.
وقرأ ابن عامر «فتنوا» بالبناء للفاعل ، أي عذبوا المؤمنين ، كعامر بن الحضرمي أكره مولاه جبرا الرومي حتى ارتد ثم أسلما وحسن إسلامهما وهاجروا (ثُمَّ جاهَدُوا) في سبيل الله (وَصَبَرُوا) على الطاعة والمرازي. (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي من بعد. هذه الأعمال الثلاثة (لَغَفُورٌ) لما فعلوا من قبل (رَحِيمٌ) (١١٠) فينعم عليهم مجازاة على ما صنعوا من بعد وهذه الآية إن كانت نازلة فيمن أظهر الكفر ، فالمراد أن حاله إذا هاجر وجاهد وصبر كحال من لا يكره فلا إثم له في ذلك. وإن كانت واردة فيمن ارتد ، فالمراد أن التوبة والقيام بما يجب عليه يحصلان له الغفران والرحمة ويزيلان العتاب. (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) فالظرف منصوب برحيم أو بمحذوف أي ذكرهم يوم يأتي كل إنسان يعتذر عن ذاته ويسعى في خلاصه من العذاب كقولهم : هؤلاء أضلونا السبيلا. وقولهم : والله ربنا ما كنا مشركين ، ونحو ذلك من الاعتذارات.
وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد ، فيقول الروح : يا رب لم يكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها ، فضعف عليه العذاب. فيقول الجسد : يا رب أنت خلقتني كالخشبة ليس لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها فجاء هذا الروح كشعاع النور فبه نطق لساني وبه أبصرت عيناي وبه مشت رجلاي ، فيضرب الله لهما مثلا : أعمى ومقعدا دخلا بستانا فيه ثمار ، فالأعمى لا يبصر الثمر والمقعد لا يتناوله فحمل الأعمى المقعد فأصابا الثمر فعلى من يكون العذاب؟! قالا : عليهما ، قال الله تعالى : عليكما جميعا العذاب (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي وتعطى كل نفس جزاء ما عملت كاملا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) بالعقاب بغير ذنب ، وبالزيادة في العقاب على الذنوب. (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) أي جعل الله مثلا أهل قرية مكة (كانَتْ آمِنَةً) أي كان أهلها ذوي أمن فلا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب الخوف من العدو ، (مُطْمَئِنَّةً) أي كان أهلها صحاحا ، لأن هواء ذلك البلد لما كان ملائما لأمزجتهم اطمأنوا إليه واستقروا فيه فلا يحتاجون إلى الانتقال منه بسبب الأمراض (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي يأتي أهل تلك القرية أقوات واسعة من نواحيها من بر وبحر فلا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب ضيق الرزق. قالت العقلاء من بحر الرجز :
ثلاثة ليس لها نهاية |
|
الأمن والصحة والكفاية |
(فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) أي كفر أهلها بنعمه تعالى وهي : نعمة الأمن والصحة والرزق الواسع ، (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) أي أذاق الله أهلها ضرر الجوع والخوف من حرب