قدر الضرورة وسد الرمق ، فالله لا يؤاخذه بذلك (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لأجل ذكر ألسنتكم الكذب ولتعودها به (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) وهذا بدل من التعليل الأول أي إنهم كانوا ينسبون ذلك التحليل والتحريم إلى الله تعالى ويقولون : إن الله أمرنا بذلك. (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في أمر من الأمور (لا يُفْلِحُونَ) (١١٦) أي لا يفوزون بخير لا في الدنيا ولا في الآخرة (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي منفعتهم في أفعال الجاهلية منفعة قليلة (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١٧) (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) خاصة (حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) يا أشرف المرسلين (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل تحريمنا على أهل ملتك ما عدا ذلك من المحرمات وهو الذي سبق ذكره في سورة الأنعام (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٨) حيث فعلوا ما يؤدي إلى ذلك التحريم (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ) أي الكفر والمعاصي (بِجَهالَةٍ) أي بسبب جهالة ، لأن أحدا لا يختار الكفر ما لم يعتقد كونه حقا ، ولا يفعل المعصية ما لم تصر الشهوة غالبة للعقل فكل من عمل السوء يكون بسبب الجهالة. (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي عمل السوء (وَأَصْلَحُوا) بأن آمنوا وأطاعوا الله (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي التوبة (لَغَفُورٌ) لذلك السوء (رَحِيمٌ) (١١٩) يثيب على طاعتهم تركا وفعلا أي لما بالغ الله في تهديد المشركين على أنواع قبائحهم من إنكار البعث والنبوة وكون القرآن من عند الله ، وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه بين الله أن أمثال تلك القبائح لا تمنعهم من قبول التوبة وحصول المغفرة والرحمة إذا ندموا على ما فعلوا وآمنوا فالله يخلصهم من العذاب (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) على انفراده لكماله في صفات الخير وجمعه الفضائل ، وهو رئيس أهل التوحيد ، لأنه كان مؤمنا وحده والناس كلهم كانوا كفارا ولذلك وصفه بتسع صفات. (قانِتاً لِلَّهِ) أي مطيعا له تعالى قائما بأمره. (حَنِيفاً) أي مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق لا يزول عنه (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٠) في أمر من أمور دينهم فإنه كان من الموحدين في الصغر والكبر (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ).
روي أن إبراهيم عليهالسلام كان لا يتغذى إلا مع ضيف ، فلم يجد ذات يوم ضيفا ، فأخر غذاءه ، فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر ، فدعاهم إلى الطعام فأظهروا أن بهم علة الجذام ، فقال : الآن يجب علي مؤاكلتكم فلو لا عزتكم على الله تعالى لما ابتلاكم بهذا البلاء. (اجْتَباهُ) أي اصطفاه للنبوة (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٢١) أي هداه في الدعوة إلى طريق موصل إلى الله تعالى وهو ملة الإسلام. (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي ولدا صالحا وسيرة حسنة عند كل أهل الأديان ، فجميع الملل يترصون عن إبراهيم ولا يكفر به أحد. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٢٢) أي لمن أصحاب الدرجات العالية في الجنة (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا سيد المرسلين مع علو طبقتك (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي في كيفية الدعوة إلى التوحيد وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإتيان الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن