(حَنِيفاً) أي مائلا عن الباطل حال من إبراهيم ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٣) وهذا تكرير لما سبق لزيادة تأكيد في الرد على المشركين حيث زعموا أنهم كانوا على ملة إبراهيم. (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي إنما فرض تعظيم يوم السبت على الذين خالفوا نبيهم موسى عليهالسلام لأجل يوم السبت ، فإن أهل الملل اتفقوا على أنه تعالى خلق العالم في ستة أيام ، وبدأ تعالى بالتكوين من يوم الأحد ، وتمّ في يوم الجمعة. وكان يوم السبت يوم الفراغ فأمر سيدنا موسى عليهالسلام اليهود أن يعظموا يوم الجمعة ـ كما هو ملة إبراهيم عليهالسلام ـ بالتفرغ للعبادة فيه وترك الأشغال ، فيكون عيدا ، فخالفوا كلهم وقالوا : نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال ، فاختاروا السبت ، فأذن الله تعالى لهم فيه وشدّد عليهم بتحريم الاصطياد فيه. وقالت النصارى : مبدأ التكوين هو يوم الأحد فنجعل هذا اليوم عيدا لنا وقد جاءهم عيسى عليهالسلام بالجمعة أيضا فقالوا : لا نريد أن يكون عيد اليهود بعد عيدنا ، واتخذوا الأحد عيدا لهم وقلنا معشر الأمة المحمدية : يوم الجمعة هو يوم الكمال فحصول التمام يوجب الفرح الكامل ، فهو أحق بالتعظيم ، وبجعله عيدا. وأيضا إن الله تعالى خلق في يوم الجمعة أبا البشر آدم عليهالسلام وهو أشرف خلقه وتاب عليه فيه فكان يوم الجمعة أشرف الأيام لهذا السبب ، ولأن الله تعالى اختار يوم الجمعة لهذه الأمة ولم يختاروه لأنفسهم. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤) في الدين فإنه تعالى سيحكم للمحقين بالثواب وللمبطلين بالعقاب. (ادْعُ) يا أشرف الرسل من بعثت إليهم من الأمة قاطبة (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) أي إلى دينه (بِالْحِكْمَةِ) أي الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينية وهذه أشرف الدرجات ، وهي التي قال الله تعالى في صفتها : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) أي الأمارات الظنية والدلائل الإقناعية (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بدليل مركب من مقدمات مقبولة فالناس على ثلاثة أقسام :
الأول : أصحاب العقول الصحيحة الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها.
والثاني : أصحاب النظر السليم الذين لم يبلغوا حدّ الكمال ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان.
والثالث : الذين تغلب على طباعهم المخاصمة لا طلب العلوم اليقينية فقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) إلخ. معناه : ادع الأقوياء الكاملين إلى الدين الحق بالدلائل القطعية اليقينية حتى يعلموا الأشياء بحقائقها ، وهم خواص الصحابة وغيرهم. وادع عوام الخلق بالدلائل الإقناعية الظنية ؛ وهم أرباب السلامة ، وفيهم الكثرة ، وتكلّم مع المشاغبين بالجدل على الطريق الأحسن الأكمل ؛ وهي التي تفيد إفحامهم وإلزامهم. والجدل ليس من باب الدعوة ،