(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا ولا يعذب ويدخل الجنة (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) أي وإذا دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بعذاب الاستئصال أمرنا على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها رؤساءها بالأعمال الصالحات وهي الإيمان والطاعة.
وروي برواية غير مشهورة عن نافع وابن عباس «أمرنا مترفيها» بمد الهمزة أي كثرنا أغنياءها وفساقها. وعن أبي عمرو «أمرنا» بتشديد الميم أي جعلنا جبابرتها أمراء. (فَفَسَقُوا فِيها) أي فخرجوا عما أمرهم الله وعملوا المعاصي فيها (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) أي فثبت عليها ما توعدناهم به على لسان رسولنا من الإهلاك (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦) أي فأهلكناها إهلاك الاستئصال (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) أي وكثيرا أهلكنا من الأمم الماضية من بعد قوم نوح فإن الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون من القرون الذين كانوا بعد نوح وهم عاد وثمود وغيرهم وإنما قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) لأنه أول من كذبه قومه وخوّف تعالى بهذه الآية كفار مكة (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧) فإنه تعالى عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات وثبت أنه قادر على كل الممكنات فكان قادرا على إيصال الجزاء إلى كل أحد بقدر استحقاقه فإنه منزه عن الظلم ، وهذه بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف عظيم لأهل المعصية (مَنْ كانَ يُرِيدُ) بالذي يعمله (الْعاجِلَةَ) أي الدار العاجلة فقط (عَجَّلْنا لَهُ فِيها) أي في تلك الدار (ما نَشاءُ) تعجيله له من نعيمها (لِمَنْ نُرِيدُ) تعجيل ما نشاء له وهذا بدل من الضمير بإعادة الجار بدل بعض من كل فلا يجد كل واحد جميع ما يهواه فإن كثيرا من الكفار يعرضون عن الدين في طلب الدنيا ، ثم يبقون محرومين عن الدنيا والدين (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ) في الآخرة مكان ما عجلناه (جَهَنَّمَ) وما فيها من أنواع العذاب (يَصْلاها) أي يدخلها (مَذْمُوماً) أي مهانا بالذم (مَدْحُوراً) (١٨) أي مطرودا من رحمة الله تعالى.
قيل : نزلت هذه الآية في مرثد بن ثمامة (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) أي أراد بعمله ثواب الآخرة (وَسَعى لَها) أي للدار الآخرة (سَعْيَها) بأن يكون العمل من باب القرب والطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إيمانا صحيحا (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ) أي عملهم (مَشْكُوراً) (١٩) أي مقبولا عند الله أحسن القبول. قيل : نزلت هذه الآية في بلال المؤذن (كُلًّا) أي كل واحد من الفريقين مريد الدنيا ومريد الآخرة (نُمِدُّ) أي نزيد بالعطاء (هؤُلاءِ) أي الذين يريدون الدنيا (وَهَؤُلاءِ) أي الذين يريدون الآخرة وهذان بدلان من كلا فإن الله يوسع عليهما في الرزق من الأموال والأولاد وغير ما من أسباب العز والزينة في الدنيا (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) أي من معطاه الواسع وهذا متعلق «بنمد» (رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ) أي معطاه في الدنيا (مَحْظُوراً) (٢٠) أي ممنوعا من أحد ، مؤمنا كان أو