بالكمال الذي لا نهاية له وذلك يدل على نهاية جهلهم (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ) بسبب ذلك الاعتقاد (قَوْلاً عَظِيماً) (٤٠) في الفرية على الله حيث تجعلونه تعالى من نوع الأجسام ، ثم تنسبون إليه ما تكرهون من أخس الأولاد ، ثم تصفون الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق بالأنوثة التي هي أخس أوصاف الحيوان (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي كررنا هذه الدلائل (فِي هذَا الْقُرْآنِ) أي في مواضع منه (لِيَذَّكَّرُوا) بفتح الذال والكاف وتشديدهما أي ليعرفوا بطلان ما يقولونه. وقرأ حمزة والكسائي «ليذكروا» ساكنة الذال مضمومة الكاف أي ليفهموا ما في القرآن أو ليذكروه بألسنتهم فإن الذكر باللسان قد يؤدي إلى تأثر القلب بمعناه. (وَما يَزِيدُهُمْ) أي والحال ما يزيدهم ذلك التكرير (إِلَّا نُفُوراً) (٤١) أي تباعدا عن الإيمان ، وهذا دليل على أن الله ما أراد الإيمان من الكفار (قُلْ) في إظهار بطلان ذلك من جهة أخرى : (لَوْ كانَ مَعَهُ) تعالى (آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) أي كونا موافقا لما يقولون : (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (٤٢) أي لطلبوا إلى من له الملك سبيلا بالمغالبة كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض. وقيل : المعنى لو كانت هذه الأصنام تقربكم إلى الله زلفى كما تقولون لطلبت لأنفسها المراتب العالية فلما لم تقدر على ذلك فكيف يدرك في العقل أن تقربكم إلى الله منزلة (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣) أي تنزه الله وارتفع بصفات الكمال عن الشركاء والنقائص ارتفاعا عظيما (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) أي تنزه الله تعالى السموات السبع والأرض عن كل نقص بدلالة أحوالها على توحيد الله تعالى وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك ، ويصير لها بمنزلة التسبيح ، وتسبح العقلاء بلسان المقال.
وقرأ ابن كثير «كما يقولون» و «عما يقولون» و «يسبح» بالياء في هذه الثلاثة. وقرأ حمزة والكسائي كلها بالتاء. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم في الأول بالتاء على الخطاب. وفي الثاني والثالث بالياء. وقرأ حفص عن عاصم الأولين بالياء على الحكاية والأخير بالتاء. وقرأ أبو عمرو الأول والأخير بالتاء والأوسط بالياء (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أي ما من شيء من الأشياء حيوانا كان أو نباتا أو جمادا إلا ينزهه تعالى متلبسا بحمده بلسان الحال عما لا يليق بذاته تعالى من لوازم الإمكان فالأكوان بأسرها شاهدة بتلك النزاهة (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ) أيها المشركون (تَسْبِيحَهُمْ) فإن الكفار وإن كانوا مقرين بألسنتهم بإثبات إله العالم لم يتفكروا في أنواع الدلائل ولم يعلموا كمال قدرته تعالى فاستبعدوا كونه تعالى قادرا على النشر والحشر فهم غافلون عن أكثر دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ، لأنهم أثبتوا لله شركاء وزوجا وولدا.
وقرئ «لا يفقهون» على صيغة المبني للمفعول مع فتح الفاء وتشديد القاف. (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) ولذلك لم يعاجلكم بالعقوبة مع غفلتكم وسوء نظركم وجهلكم ولذا كان (غَفُوراً) (٤٤) لمن تاب منكم (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) بمكة (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي المنكرين للبعث (حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥).