أجرى الله تعالى به العادة لا يقدر أحد أن يبدل تلك العادة (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي لأجل زوال الشمس عن كبد السماء (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي إلى اجتماع ظلمة الليل وهو وقت صلاة العشاء. والمعنى أقم الصلاة من وقت زوال الشمس إلى ظلمة الليل بأن تديم كل صلاة في وقتها فيدخل في هذا الظهر والعصر والمغرب. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي أقم صلاة الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٧٨) تحضره الملائكة الكاتبون والحفظة ، فإنهم يتعاقبون على ابن آدم في صلاة الصبح وصلاة العصر وتشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء ، وتبدل النوم بالانتباه ، فتشهد العقول بأنه لا يقدر على تقليب كلية هذا العالم إلا الخالق المدبر بالحكمة البالغة ، وتشهده الجماعة الكثيرة (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي وقم بعض الليل فاترك النوم في ذلك الوقت للصلاة.
وقيل : المعنى تهجد بالقرآن بعض الليل أي صل في ذلك بالقرآن (نافِلَةً لَكَ) أي زيادة لك في كثرة الثواب وارتفاع الدرجات مختصة بك فإن كل طاعة يأتي بها النبي صلىاللهعليهوسلم سوى المكتوبة لا يكون تأثيرها في كفارة الذنوب ألبتة ، لأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بل يكون تأثيرها في زيادة الدرجات وكثرة الثواب ، فلهذا سميت نافلة بخلاف الأمة فإن لهم ذنوبا محتاجة إلى الكفارات فهذه الطاعات لهم لتكفير الذنوب فلهذا السبب قال تعالى : نافلة لك أي إن الطاعات هذه زوائد في حقك لا في غيرك كما نقل عن مجاهد والسدي ، ومن قال : إن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا : معنى نافلة لك أن صلاة الليل فريضة عليك زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك دون أمتك (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) أي إن يقيمك ربك مقاما محمودا عندك وعند جميع الناس.
وروى أبو هريرة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي». (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) أي في المدينة (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي من مكة إليها وذلك حين أمر النبي بالهجرة كما قاله ابن عباس والحسن. أو المعنى وأخرجني من المدينة إلى مكة غالبا عليها بفتحها. وقيل : الأكمل مما سبق أن يقال : رب أدخلني في الصلاة وأخرجني منها مع الصدق والإخلاص وحضور قلبي بذكرك ، ومع القيام بلوازم شكرك. والأكمل من ذلك أن يقال : رب أدخلني في القيام بمهمات أداء شريعتك ، وأخرجني بعد الفراغ منها إخراجا لا يبقى علي منها تبعة والأعلى مما سبق أن يقال : رب أدخلني في بحار دلائل توحيدك وتنزيهك ، ثم أخرجني من الاشتغال بالدليل إلى ضياء معرفة المدلول ومن التأمل في آثار حدوث المحدثات إلى الاستغراق في معرفة الفرد المنزه عن التغيرات. وقيل : رب أدخلني القبر إدخالا مرضيا وأخرجني منه عند البعث إخراجا مرضيا ملقى بالكرامة. (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠)