أي اجعل لي في هذا البلد من لدنك قوة ظاهرة في تثبيت دينك وإظهار شرعك أو اجعل لي من عندك حجة بينة تنصرني بها على جميع من يخالفني (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) أي ظهر الإسلام (وَزَهَقَ الْباطِلُ) أي هلك الشرك وتسويلات الشيطان (إِنَّ الْباطِلَ) أي أيّ باطل كان (كانَ) بجبلته (زَهُوقاً) (٨١) زائلا على أسرع الوجوه (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) من جميع الأمراض الظاهرة والباطنة (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لأن القرآن يعلم كيفية اكتساب العلوم العالية والأخلاق الفاضلة التي يصل بها الإنسان إلى قرب رب العالمين (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) أي لا يزيد القرآن المشركين إلا هلاكا بتكذيبهم (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بأن وصل إلى مطلوبه (أَعْرَضَ) أي اغتر وصار غافلا عن طاعة الله (وَنَأى بِجانِبِهِ) أي تباعد من أهل الحق ولم يقتد بهم تعظما لنفسه كديدن المستكبرين (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي أصابه بلاء (كانَ يَؤُساً) (٨٣) أي قنوطا من رحمة الله حزينا ولم يتفرغ لذكر الله تعالى (قُلْ كُلٌ) أي كل أحد (يَعْمَلُ) عمله (عَلى شاكِلَتِهِ) أي طريقته التي توافق حاله في الهدى والضلالة فإن كانت نفسه طاهرة صدرت عنه أفعال جميلة ، وإن كانت نفسه خبيثة صدرت عنه أفعال رديئة (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤) أي أصوب طريقا (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الذي هو سبب حياة البدن بنفخه فيه (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي من فعل ربي أو من علم ربي فإنه مما اختص الله تعالى بعلمه.
روي أن اليهود قالوا لقريش : سلوا محمدا عن أصحاب الكهف. وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عنها جميعا أو سكت فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين صلىاللهعليهوسلم لهم القصتين وأبهم شأن الروح وهو مبهم في التوراة (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) فإن عقول الخلق عاجزة عن معرفة حقيقة الروح ، وقال بعضهم جاء في الخبر في بعض الروايات أن الله تعالى خلق ثلاثمائة وستين ألف عالم ولكنه جعلها محصورة في عالمين وهما الخلق والأمر كما قال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٥٤] فعبر عن عالم الدنيا وهو ما يدرك بالحواس الخمس الظاهرة السمع والبصر ، والشم والذوق ، واللمس بالخلق. وعبر عن عالم الآخرة وهو ما يدرك بالحواس الخمس الباطنة العقل والقلب والسر والروح والخفي بالأمر فعالم الأمر هو الأوليات التي خلقها الله تعالى للبقاء بمحض الأمر التكويني من غير تحصيل من أصل وهي الروح والعقل والقلم واللوح والعرش والكرسي ، والجنة والنار وسمي عالم الأمر أمرا ، لأن الله أوجده بلا واسطة شيء بل بأمر كن من لا شيء. ولما كان أمره تعالى قديما فما يكون بالأمر القديم كان باقيا ، وإن كان حادثا. وسمي عالم الخلق خلقا ، لأنه تعالى أوجده بوسائط شيء مخلوق خلقه للفناء ، فمعنى الروح من أمر ربي أنه من عالم الأمر والبقاء لا من عالم الخلق والفناء اهـ. فلا يمكن تعريف الروح بمباديه ولا يحيط بكنهه دائرة إدراك البشر وإنّما الممكن هذا القدر الإجمالي ولذا قال تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أي وما