المقتضية لإنزاله وما نزل إلا ملتبسا بما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها. (وَما أَرْسَلْناكَ) يا أفضل الخلق (إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيع بالثواب (وَنَذِيراً) (١٠٥) للعاصي بالعقاب فهؤلاء الجهال الذين اقترحوا عليك تلك المعجزات وتمردوا عن قبول دينك لا شيء عليك من كفرهم (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ).
وقرأ العامة بتخفيف الراء ، أي بينا حلاله وحرامه أو فرقنا فيه بين الحق والباطل ، وقرأ علي وجماعة من الصحابة وغيرهم بالتشديد أي فرقنا آياته بين أمر ونهي وحكم وأحكام ، ومواعظ وأمثال ، وقصص وأخبار ماضية ومستقبلة. أو نزلناه مفرقا في ثلاثة وعشرين سنة ، أو في عشرين سنة على الخلاف في تقارن النبوة والرسالة وتعاقبهما (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) بضم الميم وفتحها أي على تأن لتكون الإحاطة على دقائقه وحقائقه أسهل (وَنَزَّلْناهُ) من عندنا (تَنْزِيلاً) (١٠٦) متفرقا آية وآيتين وثلاثا وهكذا بحسب ما تقتضيه الحكمة وما يحصل من الواقعات (قُلْ) للذين اقترحوا تلك المعجزات : (آمِنُوا بِهِ) أي القرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإن إيمانكم به لا يزيده كمالا وامتناعكم عن الإيمان به لا يورثه نقصا (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل نزول القرآن منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي (إِذا يُتْلى) أي القرآن (عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) أي يسقطون على وجوههم بغاية الخوف (سُجَّداً) (١٠٧) لله شكرا على إنجاز وعده في تلك الكتب من بعثتك ونزول القرآن (وَيَقُولُونَ) في سجودهم (سُبْحانَ رَبِّنا) أي تنزيها له عن خلف وعده (إِنْ) أي إن الشأن (كانَ وَعْدُ رَبِّنا) بإنزال القرآن وبعث محمد صلىاللهعليهوسلم (لَمَفْعُولاً) (١٠٨) أي منجزا (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) للسجود لما أثر فيهم من مواعظ القرآن (يَبْكُونَ) من خشية الله (وَيَزِيدُهُمْ) أي القرآن أو البكاء أو السجود أو المتلو (خُشُوعاً) (١٠٩) أي تواضعا لله كما يزيدهم يقينا بالله تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أي سموا المعبود بحق بهذا الاسم.
قال ابن عباس : سجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده : «يا الله يا رحمن». فقال أبو جهل : إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية أي إن شئتم قولوا : يا الله ، وإن شئتم قولوا : يا رحمن (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي أيّ هذين الاسمين سميتم فهو حسن ، لأن للمسمى بذلك الأسماء الحسنى. ومعنى حسن أسماء الله كونها مفيدة لمعاني التحميد والتقديس والتمجيد والتعظيم وعلى صفات الجلال والكمال (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي بقراءة صلاتك (وَلا تُخافِتْ بِها) أي بقراءتها.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله تعالى إليه ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون