فيسبوا الله عدوا بغير علم ، ولا تخافت بها فلا تسمع أصحابك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ) أي اطلب بين الجهر والمخافتة (سَبِيلاً) (١١٠) أي أمرا وسطا.
روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم طاف بالليل على دور الصحابة وكان أبو بكر يخفي صوته بالقراءة في صلاته ، وكان عمر يرفع صوته فلما حاء النهار وجاء أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : «لم تخفي صوتك؟» فقال : أناجي ربي وقد علم حاجتي وقال لعمر : «لم ترفع صوتك؟» فقال : أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان. فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلا ، وعمر أن يخفض صوته قليلا. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما يزعم اليهود والنصارى وبنو مليح حيث قالوا : عزير ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله فكل من له ولد وهو محدث محتاج فلا يقدر على كمال الأنعام فلا يستحق كمال الحمد وكل من له ولد يمسك جميع النعم لولده ، فإذا لم يكن له ولد أفاض تلك النعم على عبيده ، فلو كان له تعالى ولد لكان منقضيا فلا يقدر على كمال الأنعام في كل الأوقات فلا يستحق الحمد على الإطلاق (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) أي في الألوهية كما يقوله الثنوية القائلون بتعدد الآلهة ، لأنه لو كان معه إله آخر لتصرف في الموجودات فلا يعرف حينئذ أن هذه النعم حصلت منه أو من شريكه فلا يعرف كونه مستحقا للحمد والشكر. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي ناصر منه لأنه لو جاز عليه ناصر من أجل المذلة لم يجب شكره لجواز أن يكون غيره تعالى حمله على الأنعام أو منعه منه (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) فالتحميد يجب أن يكون مقرونا بالتكبير والتكبير يكون في ذاته تعالى بأن يعتقد أنه واجب الوجود لذاته ، وأنه غني عن كل ما سواه وفي صفاته بأن يعتقد أن كل صفة له فهو من صفات الجلال والكمال ، والعز والعظمة ، وكل واحد من تلك الصفات لا نهاية له وإن كل صفة له قديمة سرمدية منزّهة عن التغير وفي أفعاله كأن يقول : إنا نحمد الله ونكبره عن أن يجري في سلطانه شيء لا على وفق حكمه وإرادته ، فالكل واقع بقضاء الله وقدرته وإرادته وفي أحكامه بأن يعتقد أنه ملك مطاع فلا اعتراض لأحد عليه في شيء من أحكامه يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وفي أسمائه بأن لا يذكر إلا بأسمائه الحسنى ولا يوصف إلا بصفاته المنزهة ، ثم ينبغي للعبد بعد أن يبالغ في التكبير والتنزيه والتحميد والطاعة مقدار عقله وفهمه أن يعترف أن عقله وفهمه لا يفي بمعرفة جلال الله ، ولسانه لا يفي بشكره وأعضاءه لا تفي بخدمته فكبر الله عن أن يكون تكبيره وافيا بكنه مجده وعزته.
وروي أن قول العبد الله أكبر خير من الدنيا وما فيها ، وعن عمرو بن شعيب كان رسول صلىاللهعليهوسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الآية واسأل الله الرحمة قبل الموت ، وعند الموت ، وبعد الموت إنه تعالى ناشر العظام بعد الموت وسامع الصوت.
حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم آمين.