لعذاب الآخرة من نوع المنافع بل كل حادث داخل تحت الزينة من حيث دلالته على وجود الصانع ووحدته (لِنَبْلُوَهُمْ) أي لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٧) أي أيهم أطوع لله وأشد استمرارا على خدمته (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها) أي الأرض من المخلوقات قاطبة عند تناهي عمر الدنيا (صَعِيداً جُرُزاً) (٨) أي ترابا لا نبات فيه (أَمْ حَسِبْتَ) أي أظننت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا) أي من بين آياتنا (عَجَباً) (٩) أي آية ذات عجب وفي الآيات أي آثار قدرة الله تعالى ما هو أعجب من ذلك وهي السماء والأرض والشمس والقمر ، والنجوم والجبال والبحار. و «عجبا» خبر كان و «من آياتنا» حال منه ، والكهف : هو الغار الواسع في الجبل ، والرقيم : كلب أصحاب الكهف.
وقيل : هو لوح رصاصي أو حجري كتبت فيه أسماؤهم وقصتهم وجعل على باب الكهف وهم كانوا فتية من أشراف الروم ، أرادهم دقيانوس على الشرك فهربوا منه بدينهم (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) ظرف لـ «عجبا» ، أي حين التجأ الشبان إلى الكهف (فَقالُوا) عقب استقرارهم فيه : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) خاصة تستوجب المغفرة والرزق والأمن من الأعداء ، (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) (١٠) أي يسّر لنا من أمرنا الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي فعقب هذا القول ألقينا على آذانهم حجابا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة من نومهم (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (١١) أي معدودة ، وفي الكهف حال من المضاف إليه. (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أي أيقظناهم من نومهم الثقيل (لِنَعْلَمَ) أي لنعاملهم معاملة من يختبرهم (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أي المختلفين في مدة لبثهم (أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢) أي ضبط غاية لبثهم فيظهر لهم عجزهم ويفوضون ذلك إلى العليم الخبير ويتعرفون ما صنع الله تعالى بهم من حفظ أبدانهم ، فيزدادون يقينا بكمال قدرته تعالى وعلمه ، ويستبصرون به أمر البعث ، ويكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفارهم. فالمراد بالحزبين نفس أصحاب الكهف و «أحصى» فعل ماض و «أمدا» مفعول به. وقرئ «ليعلم» بالياء مبنيا للمفعول ومبنيا للفاعل من الأعلام أي ليعلم الله الناس أي الحزبين أحصى إلخ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) يا أشرف الخلق (نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) أي على وجه الصدق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) أي جماعة من الشبان (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) بالتحقيق لا بالتقليد (وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٣) أي بأن ثبتناهم على ما كانوا عليه من الدين (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أي قويناها حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والإخوان ، واجترءوا على الرد على دقيانوس الجبار (إِذْ قامُوا) أي حين انتصبوا لإظهار شعار الدين أو وقت قاموا بين يدي الملك دقيانوس الكافر فإنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت ، فثبت الله تعالى هؤلاء الفتية حتى عصوا ذلك الجبار ، وأقروا بربوبية الله تعالى ، وصرحوا بالبراءة من الشركاء (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أي لن نعبد أبدا معبودا آخر