حمران ، وكان لواحد منهم فلما خرجوا تبعهم فمنعوه ، فأنطقه الله وتكلم وقال : أنا أحب أحباب الله فمكنوه من الذهاب معهم ، فلما ناموا نام كنومهم ، ولما استيقظوا استيقظ معهم ، ولما ماتوا مات معهم (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) أي لو شاهدتهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) أي لأدبرت عنهم هربا بما شاهدت منهم (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨) أي خوفا يملأ الصدر لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة فكل من رآهم فزع فزعا شديدا. وقرأ نافع وابن كثير «لملئت» بتشديد اللام.
وروي أيضا عن ابن كثير بالتخفيف كالجمهور. وقرأ السوسي بإبدال الهمزة ياء وقفا ووصلا ، وحمزة في الوقف فقط. وقرأ ابن عامر والكسائي «رعبا» بضم العين في جميع القرآن. والباقون بالإسكان. (وَكَذلِكَ) أي كما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلى آية دالة على كمال قدرتنا (بَعَثْناهُمْ) أي أيقظناهم من النوم بعد مضي ثلاثمائة سنة وتسع سنين (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أي ليسأل بعضهم بعضا في مدة لبثهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) هو رئيسهم واسمه «مكسلمينا» : (كَمْ لَبِثْتُمْ) أي كم مقدار مكثكم في منامكم في هذا الغار (قالُوا) أي بعضهم : (لَبِثْنا يَوْماً) لأنهم دخلوا الكهف غدوة ، ثم ناموا طلوع الشمس وكان انتباههم آخر النهار فلما خرجوا فنظروا إلى الشمس وقد بقي منه شيء قالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا) أي بعض آخر منهم وهو «مكسلمينا» : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) فأنتم لا تعلمون مدة لبثكم (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) هو تمليخا كما قاله ابن إسحاق (بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وهي منبج أو أفسوس بضم الهمزة هذا في الجاهلية وتسمى في الإسلام طرسوس بفتح الراء (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أي أيّ أهلها (أَزْكى طَعاماً) أي أبعد عن كل حرام لأن ملكهم كان ظالما وعامة أهل بلدهم كانوا مجوسا وفيهم قوم يخفون إيمانهم (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ) أي بطعام (مِنْهُ) أي من ذلك الأزكى. (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي وليرفق في الشراء كي لا يغبن وفي دخول المدينة لئلا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (١٩) أي لا يخبرن بمكانكم أحدا من أهل المدينة فإن ذلك يستلزم شيوع أخباركم (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أي إن يطلعوا على أنفسكم أو على مكانكم (يَرْجُمُوكُمْ) أي يقتلوكم بالرجم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أي يصيّروكم إلى ملتهم كرها (وَلَنْ تُفْلِحُوا) أي لن تسعدوا (إِذاً) أي إن دخلتم فيها ولو بالكره (أَبَداً) (٢٠) أي في الدنيا والآخرة (وَكَذلِكَ) أي وكما أنمناهم وبعثناهم (أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) أي أطلعنا الناس المؤمنين والكافرين على أحوالهم ، وكان ملكهم يومئذ مسلما يسمى يستفاد وذلك أن دقيانوس مات وانقضت قرون ، ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح واختلف أهل مملكته في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح دون الأجساد ، فإن الجسد تأكله الأرض. وقال بعضهم : تبعث الأرواح والأجساد جميعا وكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمر البعث لهم حتى دخل بيته وأغلق بابه ولبس المسوح وقعد على الرماد ، وتضرّع إلى الله تعالى في طلب حجة وبرهان ،