حتى رجع موسى إليه فرأى مسلكه وكون الحوت قد مات وأكل شقه الأيسر ، ثم حيي بعد ذلك (قالَ) أي موسى : (ذلِكَ) أي الذي ذكرت من أمر الحوت (ما كُنَّا نَبْغِ) أي الذي كنا نطلبه لأنه أمارة الظفر بالمطلوب وهو لقاء الخضر. وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء وصلا لا وقفا ، وابن كثير أثبتها في الحالين. والباقون حذفوها في الحالين اتباعا للرسم. (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) (٦٤) أي فرجعا مفتشين آثارهما أو فاقتصا على آثارهما اقتصاصا حتى آتيا الصخرة (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) وهو الخضر واسمه : بليا بن ملكان ، وكنيته أبو العباس ؛ وهو من نسل نوح ، وكان أبوه من الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا. وروي أنهما وجدا الخضر وهو نائم على وجه الماء وهو مغطى بثوب أبيض أو أخضر ، طرفه تحت رجليه والآخر تحت رأسه فسلم عليه موسى فرفع رأسه واستوى جالسا وقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل فقال له موسى : ومن أخبرك إني نبي بني إسرائيل؟ فقال : الذي أدراك بي ودلّك علي.
والصحيح أن الخضر نبي ، وذهب الجمهور إلى أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي أكرمناه بالنبوة ـ كما قاله ابن عباس ـ (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٦٥) وهو علم الغيوب (قالَ لَهُ مُوسى) على سبيل التأدب والتلطف في ظرف الاستئذان (هَلْ أَتَّبِعُكَ) أي أصحبك (عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) أثبت الياء نافع وأبو عمرو وصلا لا وقفا ، وابن كثير في الحالين ، والباقون حذفوها. (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (٦٦) أي علما يرشدني في ديني.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب بفتح الراء والشين ، والباقون بضم الراء وتسكين الشين. قال له الخضر : كفى بالتوراة علما وببني إسرائيل شغلا. فقال له موسى : إن الله أمرني بهذا فحينئذ (قالَ) له الخضر : يا موسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (٦٨) أي على ما لم تعلم به بيانا وحكمة ، أي إنك يا موسى لا تصبر على أمور لم تعلم حقائقها يا موسى إني على علم من علم الله تعالى علمنيه لا تعلمه ، أي وهو علم الكشف وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه أي وهو علم ظاهر الشريعة. (قالَ) له موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) (٦٩) عطف على «صابرا» ، أي ستجدني صابرا على ما أرى منك وغير مخالف لأمرك (قالَ) له الخضر : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) أي صحبتني (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) تشاهده من أفعالي ولو منكرا بحسب علمك الظاهر (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (٧٠) أي حتى أبتدئ بإخبارك ببيان ذلك الشيء.
وقرأ ابن عامر «فلا تسألن» بالنون المثقلة وبغير ياء. وروي عنه «تسألني» مثقلة مع الياء ؛ وهي قراءة نافع ، وقرأ باقي السبعة بسكون اللام وتخفيف النون ، وقرأ أبو جعفر هنا «تسلن» بفتح السين واللام وتشديد النون من غير همز. (فَانْطَلَقا) أي موسى والخضر عليهماالسلام على