ظَلَمَ) نفسه باستمراره على الكفر (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بالقتل بعد طول الدعاء إلى الإسلام (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ) فيها (عَذاباً نُكْراً) (٨٧) أي شديدا وهو عذاب النار (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) بسبب دعوتي (وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى).
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بنصب «جزاء» أي فله الجنة في الآخرة من جهة الجزاء. وقرأ الباقون برفعه والإضافة أي فله في الدارين جزاء الفعلة الحسنى التي هي الإيمان والعمل الصالح (وَسَنَقُولُ لَهُ) أي لمن آمن (مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) (٨٨) أي قولا سهلا مما نأمره به من الزكاة والخراج وغيرهما ولا نأمره بالصعب الشاق (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) (٨٩) أي ثم أخذ ذو القرنين طريقا نحو المشرق من جهة الجنوب (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أي موضع طلوعها من معمورة الأرض (وَجَدَها) أي الشمس (تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) هم الزنج (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها) أي الشمس (سِتْراً) (٩٠) من اللباس فيكونون عراة أبدا فإذا طلعت الشمس دخلوا الأسراب أو البحر فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم (كَذلِكَ) أي أمر ذي القرنين فيهم كأمره في أهل المغرب فحكم في أهل المطلع كما حكم في أهل المغرب من تعذيب الظالمين والإحسان إلى المؤمنين (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) (٩١) أي وقد علمنا بما كان عند ذي القرنين من الخبر (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) (٩٢) أي ثم سلك ذو القرنين طريقا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا نحو الروم من الجنوب إلى الشمال (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) أي بين الجبلين العاليين الأملسين فلا يستطاع الصعود عليهما في آخر بلاد الترك مما يلي المشرق ويسمى كل منهما سدا ، لأنه سد فجاج الأرض (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) أي من ورائهما مجاوزا عنهما (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) (٩٣) أي أمة من الناس لا يقربون يفهمون قول غيرهم لقلة فطنتهم ، وفي قراءة حمزة والكسائي ضم الياء وسكون الفاء وكسر القاف أي لا يفهمون الناس كلامهم لغرابة لغتهم وهم من أولاد يافث وذو القرنين من أولاد سام.
قال أهل التاريخ : أولاد نوح عليهالسلام ثلاثة : سام ، وحام ، ويافث. أما سام : فهو أبو العرب والعجم والروم. وأما حام : فهو أبو الحبشة والزنج والنوبة. وأما يافث : فهو أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج (قالُوا) لذي القرنين ـ بواسطة ترجمان ممن هو مجاورهم ، ويفهم كلامهم ، أو بغير ترجمان على أن فهم ذي القرنين كلامهم وإفهام كلامه إياهم من جملة ما أعطاه الله تعالى من الأسباب ـ : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي في أرضنا يأكلون كل شيء أخضر ، ويحملون كل شيء يابس ، ويقتلون أولادنا ؛ وسمى يأجوج ومأجوج لكثرتهم.
وروى حذيفة حديثا مرفوعا : «أن يأجوج أمة ومأجوج أمة فكل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الواحد منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه كلهم قد حملوا السلاح وهم من ولد آدم يسيرون إلى