قال ابن عباس : لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة اشتد الضرر عليهم لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم في أيدي المشركين ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تطييبا لقلوبهم. وقال قتادة والسدي : نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والحزن. وقيل : نزلت في حرب أحد ، لما قال عبد الله بن أبيّ لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم إلى متى تقتلون أنفسكم وترجون الباطل ولو كان محمد نبيا لما سلط الله عليكم الأسر والقتل ومعنى الآية أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بمجرد الإيمان بي وتصديق رسولي دون أن تعبدوا الله بكل ما كلفكم به وابتلاكم بالصبر عليه ودون أن ينالكم أذى الكفار ، والفقر ، ومقاساة الأهوال في مجاهدة العدو كما كان كذلك من قبلكم من المؤمنين. وهو المراد من قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي والحال لم يأتكم شبه محنة المؤمنين الذين مضوا من قبلكم ثم بيّن الله ذلك الشبه مستهم البأساء والضراء. فالبأساء : تضييق جهات الخير والمنفعة. والضراء : انفتاح جهات الشر والآفات والألم. ومعنى زلزلوا أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا ، ومعنى حتى يقول الرسول لأن الرسل عليهمالسلام يكونون في غاية الثبات والصبر وضبط النفس عند نزول البلاء ، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك هو الغاية القصوى في الشدة فلما بلغت بهم الشدة إلى هذه الدرجة العظيمة قيل لهم : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) إجابة لهم من الله أو من قوم منهم والأحسن أن يقال : فالذين آمنوا قالوا : متى نصر الله؟ ثم رسولهم قال : ألا إن نصر الله قريب.
وروى الكلبي عن ابن عباس : أن الآية نزلت في عمرو بن الجموح ـ وكان شيخا كبيرا هرما ـ وهو الذي قتل يوم أحد وعنده مال عظيم فقال : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أي أيّ شيء مصرف المال (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي مال (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى) أي المحتاجين منهم (وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فالإنفاق على الوالدين واجب عند عجزهما عن الكسب والملك ، والإنفاق على الأقربين ـ وهم الأولاد وأولاد الأولاد ـ قد يلزم عند فقد الملك ، فحينئذ الواجب فيما ذكر قدر الكفاية وقد يكون على صلة الرحم. والإنفاق على اليتامى والمساكين والمارين في السبيل إما من جهة الزكاة أو من جهة صدقة التطوع. فالمراد بهذه الآية : من أحب التقرب إلى الله تعالى في باب النفقة فالأولى له أن ينفقه في هذه الجهات فيقدم الأولى فالأولى في صدقة التطوع. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي من سائر وجوه البر والطاعة (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢١٥) أي فيجازيكم عليه ويوفى ثوابه. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي فرض عليكم قتال الكفرة في أوقات النفير العام مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أي والحال أن القتال مكروه لكم طبعا للمشقة على النفس (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) كالجهاد في سبيل الله (وَهُوَ