خَيْرٌ لَكُمْ) لما تصيبون الشهادة والغنيمة والأجر (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) كالجلوس عن الجهاد (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لأنكم لا تصيبون الشهادة ولا الغنيمة ولا الأجر (وَاللهُ يَعْلَمُ) أن الجهاد خير لكم فلذلك يأمركم به (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) ذلك ولذلك تكرهونه. أو المعنى والله يعلم ما هو خير وشر لكم وأنتم لا تعلمونهما فلا تتبعوا في ذلك رأيكم وامتثلوا أمره تعالى نزلت تلك الآية في حق سعد بن أبي وقاص ، والمقداد بن الأسود وأصحابهما (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ).
روى أكثر المفسرين عن ابن عباس أنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي وهو ابن عمته قبل قتال بدر بشهرين وبعد سبعة عشر شهرا من مجيئه المدينة في ثمانية رهط وكتب له كتابا وعهدا ودفعه إليه وأمره أن يفتحه بعد منزلتين ويقرأه على أصحابه ويعمل بما فيه فإذا فيه : أما بعد ، فسر على بركة الله تعالى بمن اتّبعك حتى تنزل بطن نخل فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخير. فقال عبد الله : سمعا وطاعة لأمره ، فقال لأصحابه : من أحب منكم الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمره. ومن أحب التخلف فليتخلف. فمضى حتى بلغ بطن نخل بين مكة والطائف فمر عليهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه فلما رأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حلقوا رأس واحد منهم وأوهموا بذلك أنهم قوم عمار ، ثم أتى واقد بن عبد الله الحنظلي وهو أحد من كان مع عبد الله بن جحش ورمى عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا اثنين ، وساقوا العير بما فيه من تجارة الطائف حتى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضجت قريش ، وقالوا : قد استحل محمد الشهر الحرام شهر يأمن فيه الخائف فيسفك فيه الدماء والمسلمون أيضا قد تعجبوا من ذلك فقال صلىاللهعليهوسلم : «إني ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام».
وقال عبد الله بن جحش : يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى ، فوقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير والأسارى فنزلت هذه الآية فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغنيمة وعلى هذا التقدير ، فالأظهر أن هذا السؤال إنما صدر عن المسلمين (قُلْ) في جوابهم (سَبِيلِ اللهِ) أي الشهر الحرام وهو رجب (كَبِيرٌ) أي عظيم وزرا وقد تم الكلام هاهنا والوقف هنا تام (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) أي ولكن منع الناس عن دين الله وطاعته وكفر بالله ومنع الناس عن مكة وإخراج أهله وهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون من مكة أعظم وزرا عند الله من قتل عمرو بن الحضرمي في رجب خطأ مع أنه يجوز أن يكون ذلك القتل واقعا في جمادى الآخرة (وَالْفِتْنَةُ) أي ما فعلوا الفتنة عن دين المسلمين تارة بإلقاء الشبهة في قلوبهم وتارة بالتعذيب كفعلهم ببلال وصهيب وعمار بن ياسر (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي أفظع من قتل عمرو بن الحضرمي.
روي أنه لما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن جحش إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون