ولا تتزوجوا المشركات بالله إلى أن يؤمن بالله بأن يقررن بالشهادة ويلتزمن أحكام الإسلام هذا مقصور على غير الكتابيات لما روي عن جابر بن عبيد الله عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا» (١).
وروى عبد الرحمن بن عوف أنه صلىاللهعليهوسلم قال في حق المجوس : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم»(٢). وسبب نزول هذه الآية ما روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين سرا ، فعند قدومه جاءته امرأة مشركة اسمها عناق فالتمست الخلوة فقال : ويحك إن الإسلام حال بيني وبينك! فقالت : هل لك أن تتزوج بي؟ فقال : نعم ، ثم وعدها أن يأذن الرسول صلىاللهعليهوسلم فلما انصرف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرفه ما جرى في أمر عناق وسأله هل يحل له التزوج بها فأنزل الله تعالى هذه الآية : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) أي لنكاح أمة مؤمنة خير من نكاح مشركة ولو أعجبتكم تلك المشركة بحسنها أو بمالها أو بحريتها أو بنسبها.
قال السدي : نزلت هذه الآية في حق عبد الله بن رواحة ، كان له أمة فأعتقها وتزوج بها فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا : أتنكح أمة!؟ وعرضوا عليه حرة مشركة فأنزل الله تعالى تلك الآية. (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) أي ولا تزوجوا الكفار ولو كانوا أهل كتاب المؤمنات حتى يؤمنوا (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) أي تزويجكم لعبد مؤمن خير من تزويجكم لمشرك (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) ذلك المشرك لماله وجماله وقوته وحريته (أُولئِكَ) المشركات والمشركون (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي إلى ما يؤدي إلى النار فإن الزوجية مظنة المحبة وذلك يوجب الموافقة في الأغراض وربما يؤدي ذلك إلى انتقال الدين بسبب موافقة المحبوب (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) بتبيان هذه الأحكام من الإباحة والتحريم فإن من تمسك بها استحق الجنة والمغفرة (بِإِذْنِهِ) أي بتيسيره تعالى وتوفيقه للعمل الذي يستحق به الجنة والمغفرة. وقرأ الحسن «والمغفرة بإذنه» بالرفع أي والمغفرة حاصلة بتيسير الله تعالى. (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) أي أمره ونهيه في التزويج والتزويج (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٢١) قبح المنهي عنه وحسن المدعو إليه. (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) أي الحيض والسائل عن ذلك ثابت الدحداح الأنصاري ، وقيل : عباد بن بشر وأسيد بن الحضير ، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ، ولم يجالسوها على فرش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس. وأما
__________________
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٢ : ٢٦١).
(٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١٩ : ٤٣٧) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٩ : ١٨٩) ، والساعاتي في بدائع المنن (٣ : ٢٢٩).