ويبسط بعضها حتى يقدم على هذه الطاعة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥) فلا مدبر ولا حاكم سواه.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في شأن أبي الدحداح ـ رجل من الأنصار ـ قال : يا رسول الله إن لي حديقتين ، فإن تصدقت بإحداهما فهل لي مثلاها في الجنة؟ قال : «نعم» وأم الدحداح معي؟ قال : «نعم». قال والصبية معي؟ قال : «نعم». فتصدق بأفضل حديقتيه وكانت تسمى الجنينية فرجع أبو الدحداح إلى أهله وكانوا في الحديقة التي تصدق بها ، فقام على باب الحديقة وذكر ذلك لامرأته أم الدحداح : بارك الله لك في ما اشتريت. فخرجوا منها وسلموها فكان صلىاللهعليهوسلم يقول : «كم من نخلة رداح تدلي عروقها في الجنة لأبي الدحداح» (١). (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) أي ألم تخبر يا أشرف الخلق عن قصة الرؤساء من بني إسرائيل من بعد وفاة موسى حين قالوا لنبيهم شمويل كما قاله وهب بن منبه أو سمعون ، أو يوشع بن نون كما قاله قتادة ، أو حزقيل كما حكاه الكرماني أو أسماويل بن حلفا ـ واسم أمه حسنة ـ كما قاله مجاهد. وسبب سؤال بني إسرائيل نبيهم ذلك أنه لما مات موسى وعظمت الخطايا ، سلط الله عليهم قوم جالوت ، وكانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وغلبوا على كثير من أرضهم ، وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولم يكن لهم حينئذ نبي يدبر أمرهم ، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت ، فولدت غلاما فلما كبر كفله شيخ من علمائهم في بيت المقدس ، فلما بلغ الغلام أتاه جبريل فقال له : اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله قد بعثك فيهم نبيا ، فلما أتاهم كذبوه وقالوا : استعجلت بالنبوة فإن كنت صادقا فبيّن لنا ملك الجيش (نُقاتِلْ) بأمره عدونا (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعة الله وإنما كان صلاح أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وبطاعة الملوك أنبياءهم فكان الملك هو الذي يسير بالجموع ، والنبي هو الذي يقيم أمره ويشير عليه برشده. (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) أي قال نبيهم : هل قاربتم أن لا تقاتلوا عدوكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أي أيّ شيء ثبت لنا في ترك القتال الذي في طاعة الله ، والحال أنه قد أبعد بعضنا من المنازل والأولاد والقائلون لنبيهم بما ذكر كانوا في ديارهم فسأل الله تعالى ذلك النبي فأوجب عليهم القتال وعين لهم ملكا ليقاتل بهم (فَلَمَّا كُتِبَ) أي أوجب (عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن قتال عدوهم لما شاهدوا كثرة العدو وشوكته (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ثلاثمائة وثلاثة
__________________
(١) رواه أحمد في (م ٥ / ص ٩٥) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٩ : ٣٢٤) ، والطبراني في المعجم الكبير (٢ : ٢٤٢).