(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) وهي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه ونعلاه وشيء من التوراة ورداء هارون وعمامته (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) أي تسوقه الملائكة إليكم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في رد التابوت إليكم (لَآيَةً لَكُمْ) أي علامة لكم دالة على أن ملكه من الله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٤٨) أي مصدقين بتمليكه عليكم. أو المعنى أن في هذه الآية من نقل القصة معجزة باهرة دالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم حيث أخبر بهذه التفاصيل من غير سماع من البشر إن كنتم ممن يؤمن بدلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة والرسالة. فلما رد عليهم التابوت قبلوا وخرجوا معه وهم ثمانون ألفا من الشبان الفارغين من جميع الأشغال (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ) أي خرج من بيت المقدس (بِالْجُنُودِ) أي بالجيش التي اختارها وكان الوقت قيظا وسلك بهم في أرض قفرة فأصابهم حر وعطش شديد فطلبوا منه الماء (قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) أي مختبركم بنهر جار ليظهر منكم المطيع والعاصي ـ وهو بين الأردن وفلسطين ـ أي والمقصود من هذا الابتلاء أن يميز الصدّيق عن الزنديق والموافق عن المخالف (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) أي من ماء النهر (فَلَيْسَ مِنِّي) أي من أتباعي المؤمنين فلا يكون مأذونا في هذا القتال (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) أي من لم يذقه (فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) فإنه مني ويكون أهلا لهذا القتال.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «غرفة» بفتح الغين ، وكذلك يعقوب وخلف. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالضم. فالغرفة بالضم : الشيء القليل الذي يحصل في الكف. والغرفة بالفتح : الفعل وهو الاغتراف مرة واحدة. فكانت تكفيهم هذه الغرفة لشربهم ودوابهم وحملهم. (فَشَرِبُوا مِنْهُ) أي فلما وصلوا إلى النهر وقفوا فيه وشربوا منه بالكرع بالفهم كيف شاءوا (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فلم يشربوا إلا قليلا وهو الغرفة.
روي أن من اغترف غرفة كما أمر الله قوي قلبه ، وصحّ إيمانه ، وعبر النهر سالما ، وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه ودوابه وخدمه وحمله مع نفسه ، إما لأنه كان مأذونا أي في أخذ ذلك المقدار ، وإما لأن الله تعالى يجعل البركة في ذلك الماء حتى يكفي لكل هؤلاء وذلك معجزة لنبي الزمان. وأما الذين شربوا منه وخالفوا أمر الله تعالى فقد اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدو. (فَلَمَّا جاوَزَهُ) أي النهر (هُوَ) أي طالوت (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وهم أولئك القليل (قالُوا) أي بعض من معه من المؤمنين لبعض (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) أي بمحاربتهم وكانوا مائة ألف رجل شاكي السلاح (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) أي ملاقو ثواب الله بسبب هذه الطاعة : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) أي كم من جماعة قليلة من المؤمنين غلبت جماعة كثيرة من الكافرين بنصر الله (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٢٤٩) أي معين الصابرين في الحرب بالنصرة يحتمل أن