يقال : المؤمنين الذين عبروا النهر كانوا فريقين بعضهم ممن يحب الحياة ويكره الموت فيخاف ويجزع ، ومنهم من كان شجاعا قوي القلب لا يبالي بالموت في طاعة الله تعالى. فالأول : هم الذين (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ). والثاني : هم الذين أجابوا بقولهم : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) ويحتمل أن يقال القسم الأول من المؤمنين لما شاهدوا قلة عسكرهم (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) فلا بد أن نوطن على القتل لأنه لا سبيل إلى القرار من أمر الله. والقسم الثاني قالوا : لا نوطن أنفسنا بل نرجو من الله الفتح والظفر ، فكان غرض الأولين الترغيب في الشهادة والفوز بالجنة ، وغرض الفريق الثاني الترغيب في طلب الفتح والنصرة (وَلَمَّا بَرَزُوا) أي ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين وصافوا (لِجالُوتَ) اسم ملك من ملوك الكنعانيين بالشام (وَجُنُودِهِ قالُوا) جميعا متضرعين إلى الله تعالى مستعينين به تعالى (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) على مشاهدة المخاوف والأمور الهائلة (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في مداحض القتال بكمال القوة عند المقارعة وعدم التزلزل وقت المقاومة (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٥٠) بقهرهم وهزمهم (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) أي كسروهم بنصرة الله إجابة لدعائهم (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ).
قال ابن عباس رضياللهعنهما : إن داود عليهالسلام كان راعيا وله سبعة أخوة مع طالوت ، فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم أيشا أرسل ابنه داود إليهم ليأتيه بخبرهم ، فأتاهم وهم في المصاف ، وبادر جالوت الجبار وهو من قوم عاد إلى البراز فلم يخرج إليه أحد. فقال : يا بني إسرائيل لو كنتم على حق لبارزني بعضكم ، فقال داود لأخوته : أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف؟ فسكتوا. فذهب إلى ناحية من الصف ليس فيها أخوته ، فمرّ به طالوت وهو يحرض الناس ، فقال له داود : ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف؟ فقال طالوت : أنكحه ابنتي وأعطيه نصف ملكي. فقال داود : فأنا خارج إليه. وكان عادته أن يقاتل بالمقلاع الذئب والأسد في المرعى. وكان طالوت عارفا بجلادته. فلما همّ داود بأن يخرج إلى جالوت مرّ بثلاثة أحجار فقلن : يا داود خذنا معك ففينا ميتة جالوت. فلما خرج إلى جالوت الكافر رماه فأصابه في صدره ، ونفذ الحجر فيه وقتل بعده ثلاثين رجلا ، فهزم الله تعالى جنود جالوت ، وخرّ جالوت قتيلا ، فأخذه داود يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ، ففرح بنو إسرائيل وانصرفوا إلى البلاد سالمين غانمين. فجاء داود إلى طالوت وقال : أنجزني ما وعدتني ، فزوجه ابنته وأعطاه نصف الملك كما وعده. فمكث معه كذلك أربعين سنة ، فمات طالوت وأتى بنو إسرائيل بداود وأعطوه خزائن طالوت واستقل داود بالملك سبع سنين ، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى كما قال تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي الكامل سبع سنين بعد موت طالوت ، أي ملك بني إسرائيل في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها (وَالْحِكْمَةَ) أي النبوة بعد موت شمويل. وكان موته قبل