موت طالوت ، ولم يجتمع في بني إسرائيل الملك والنبوة لأحد قبله الإله ، بل كان الملك في سبط ، والنبوة في سبط آخر. ومع ذلك جمع الله تعالى له ولابنه سليمان بين الملك والنبوة (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) كصنعه الدروع من الحديد ـ وكان يلين في يده وينسجه ـ وفهم كلام الطير والنمل وكيفية القضاء وما يتعلق بمصالح الدنيا ومعرفة الألحان الطيبة. ولم يعط الله تعالى أحدا من خلقه مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وتظله الطير ويركد الماء الجاري ويسكن الريح. (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) بأهلها.
قال ابن عباس : ولو لا دفع الله بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد. وقيل المعنى : ولو لا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لفسدت الأرض بما فيها ، ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر.
روى أحمد بن حنبل عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه والبلاء». ثم قرأ : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١) كافة بسبب ذلك الدفع. (تِلْكَ) أي القصص بأخبار الأمم الماضية (آياتُ اللهِ) المنزّلة من عنده تعالى (نَتْلُوها عَلَيْكَ) أي بواسطة جبريل (بِالْحَقِ) أي ملتبسة باليقين الذي لا يشك فيه أحد من أهل الكتاب لما يجدونها موافقة لما في كتبهم (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢٥٢) إلى الجن والإنس كافة بشهادة إخبارك عن الأمم الماضية من غير مطالعة كتاب ولا اجتماع على أحد يخبرك بذلك. (تِلْكَ الرُّسُلُ) أي جماعة الرسل (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في مراتب الكمال بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) بلا واسطة ـ وهو موسى ـ حيث كلمه ليلة الحيرة وهي تحيره في معرفة طريقه من مسيره من مدين إلى مصر ، وفي الطور. ومحمد حيث كلمه ليلة المعراج (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أي فضائل وهو إبراهيم لأنه تعالى اتخذه خليلا ولم يؤت أحدا مثله هذه الفضيلة. وإدريس فإنه تعالى رفعه مكانا عاليا ، وداود فإنه تعالى جمع له الملك والنبوة ولم يحصل هذا لغيره ، وسليمان فإنه تعالى سخّر له الإنس والجن والطير والريح ولم يكن هذا حاصلا لأبيه داود عليهالسلام.
ومحمد صلىاللهعليهوسلم بأنه تعالى خصّه بأنه مبعوث إلى الجن والإنس وبأن شرعه ناسخ لكل الشرائع (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي العجائب من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والإخبار بالمغيبات (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ) أي أعنّاه بجبريل في أول أمره وفي وسطه وفي آخره ـ وهو نفخ جبريل في عيسى وتعليمه العلوم وحفظه من الأعداء ، وإعانته ، ورفعه إلى السماء حين أرادت اليهود قتله ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أي الذين جاءوا