علمائهم ـ فجاء بهم إلى بابل ، فدخل عزير تلك القرية التي انهدمت حيطانها ، ونزل تحت شجرة وهو على حمار ، فربط حماره وطاف في القرية ، فلم ير فيها أحدا فعجب من ذلك وقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ـ وذلك على سبيل الاستبعاد بحسب العادة لا على سبيل الشك في قدرة الله ـ وكانت الأشجار مثمرة فتناول من الفاكهة والتين والعنب وشرب من عصير العنب ، وجعل فضل الفاكهة في سلة ، وفضل العصير في زق ، ونام. فأماته الله تعالى في منامه مائة عام وهو شاب ، ثم أعمى عن موته أيضا الإنس والسباع والطير ، ثم أحياه الله تعالى بعد مائة ونودي من السماء يا عزير كم لبثت بعد الموت؟ فقال : يوما ، فأبصر من الشمس بقية ، فقال : أو بعض يوم. فقال الله تعالى : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) من التين والعنب (وَشَرابِكَ) من العصير لم يتغير طعمها فنظر فإذا التين والعنب كما شاهدهما ، ثم قال تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح وقد تفرقت أوصاله ، وسمع صوتا : «أيتها العظام البالية إني جاعل فيك روحا» ، فانضم أجزاء العظام بعضها إلى بعض ، ثم التصق كل عضو بما يليق به إلى مكانه ثم جاء الرأس إلى مكانه ، ثم العصب والعروق ، ثم أنبت طراء اللحم عليه ، ثم انبسط الجلد عليه ، ثم خرجت الشعور من الجلد ، ثم نفخ فيه الروح فإذا هو قائم ينهق ، فخرّ عزير ساجدا وقال : أعلم أن الله على كل شيء قدير ، ثم إنه دخل بيت المقدس ، لما روي أنه لما مضى من وقت موته سبعون سنة سلط الله ملكا من ملوك فارس فسار بجنوده حتى أتى بيت المقدس فعمروه وصار أحسن مما كان ، ورد الله تعالى من بقي من بني إسرائيل إلى بيت المقدس ونواحيه ، فعمروها ثلاثين سنة ، وكثروا كأحسن ما كانوا ، وأعمى الله العيون عن العزير هذه المدة فلم يره أحد ، فلما مضت المائة أحيا الله تعالى منه عينيه وسائر جسده ميت ، ثم أحيا الله تعالى جسده وهو ينظر ، ثم نظر إلى حماره ـ كما سبق ـ فلما دخل بيت المقدس قال القوم : حدثنا آباؤنا أن عزير بن سروحا أو ابن شرخيا مات ببابل ، وقد كان بختنصر قتل في بيت المقدس أربعين ألفا ممن قرأ التوراة وكان فيهم عزير والقوم ما عرفوا أنه يقرأ التوراة ، فلما أتاهم بعد مائة عام جدد لهم التوراة وأملاها عليهم عن ظهر قلبه لم يخرم منها حرفا ، وكانت التوراة قد دفنت في موضع فأخرجت عورضت بما أملاه ، فما اختلفا في حرف. فعند ذلك قالوا عزير ابن الله (وَ) ألم تر (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) هذا دليل آخر على ولايته تعالى للمؤمنين وإخراجه لهم من الظلمات إلى النور (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى).
قال الحسن والضحّاك وقتادة وعطاء وابن جريح : إنه رأى جيفة مطروحة في شط النهر فإذا مدّ البحر أكل منها دواب البحر ، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت ، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت. فقال إبراهيم : رب أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطوع السباع والطيور ودواب البحر (قالَ) تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أي أتسأل ولم توقن بقدرتي عن الإحياء (قالَ بَلى) أنا موقن بذلك (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي ولكن سألت ما سألت لتسكن حرارة قلبي ،