دينار ، فرفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يديه يقول : «يا رب عثمان رضيت عنه فارض عنه» (١). وأما عبد الرحمن بن عوف فإنه تصدق بنصف ماله أربعة آلاف دينار وقال : كان عندي ثمانية آلاف فأمسكت لنفسي وعيالي أربعة آلاف ، وأخرجت أربعة آلاف لربي عزوجل فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» (٢). والمعنى الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم في حوائجهم ومؤنتهم ولم يخطر ببالهم شيء من المن والأذى (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي كلام جميل يرد به السائل من غير إعطاء شيء (وَمَغْفِرَةٌ) من المسؤول عن بذاءة لسان الفقير (خَيْرٌ) للسائل (مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) لكونها مشوبة بضرر التعيير له بالسؤال (وَاللهُ غَنِيٌ) عن صدقة العبادة ، فإنما أمركم بالصدقة لينبئكم عليها. (حَلِيمٌ) (٢٦٣) إذ لم يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بصدقته (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) أي أجرصدقاتكم(بِالْمَنِّ وَالْأَذى).
قال ابن عباس : أي بالمن على الله معناه العجب بسبب صدقتكم ، وبالأذى للسائل.
وقال الباقون : بالمن على الفقير وبالأذى للفقير (كَالَّذِي) أي كإبطال أجر نفقة الذي (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) أي سمعة الناس ولطلب المدحة والشهرة (وَ) كالذي (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو المنافق. فإن المنافق والمرائي يأتيان بالصدقة لا لوجه الله تعالى ، ومن يقرن الصدقة بالمن والأذى فقد أتى بتلك الصدقة لا لوجه الله أيضا. إذ لو كان غرضه من تلك الصدقة مرضاة الله تعالى لما منّ على الفقير ولا آذاه. فالمقصود من الإبطال ، الإتيان بالإنفاق باطلا ، لأن المقصود الإتيان به صحيحا ، ثم إحباطه بسبب المن والأذى والأوجه كما قال بعضهم : إذا فعل ذلك فله أجر الصدقة ولكن ذهبت مضاعفته وعليه الوزر بالمن (فَمَثَلُهُ) أي فحالة المرائي في الإنفاق (كَمَثَلِ صَفْوانٍ). وقيل : الضمير عائد على المنافق ، فيكون المعنى إن الله تعالى شبّه المانّ والمؤذي بالمنافق ، ثم شبه المنافق بالحجر الكبير الأملس (عَلَيْهِ تُرابٌ) أي شي من التراب (فَأَصابَهُ وابِلٌ) أي مطر شديد (فَتَرَكَهُ صَلْداً) أي فجعل المطر ذلك الحجر أملس نقيا من التراب (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا يقدرون على ثواب شيء في الآخرة مما أنفقوا في الدنيا رثاء ، أو المعنى لا يجد المان والمؤذي ثواب صدقته ، كما لا يوجد على الصفوان التراب بعد ما أصابه المطر الشديد (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢٦٤) إلى الخير والرشاد. وفي هذه الآية تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى ـ على الإنفاق ـ من خصائص الكفار فلا بدّ للمؤمنين أن يجتنبوها. (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ) أي مثل أموال الذين ينفقون أموالهم طلب رضاء الله تعالى ويقينا
__________________
(١) رواه القرطبي في التفسير (٣ : ٣٠٦).
(٢) رواه ابن حجر في فتح الباري (٨ : ٣٣٢).