من قلوبهم بالثواب من الله تعالى ، وتصديقا بوعده يعلمون أن ما أنفقوا خير لهم مما تركوا كمثل بستان في مكان مرتفع مستو أصابه مطر شديد كثير (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) أي فأخرجت ثمرها مضاعفا مثلي ما يثمر غيرها ـ بسبب الوابل ـ فتحمل من الريع في سنة ما يحمل غيرها في سنتين (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) أي رش مثل الرذاذ يكفيها لجودتها ولطافة هوائها. والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما يقارنها من الأحوال. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) عملا ظاهرا أو قلبيا (بَصِيرٌ) (٢٦٥) لا يخفى عليه شيء منه (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) أي أيحب حبا شديدا أو يتمنى (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) أي بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي تطرد (الْأَنْهارُ) من تحت شجر تلك الجنة ومساكنها. (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي لذلك الأحد ـ حال كونه في الجنة ـ رزق من كل الثمرات (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) أي وقد أصابه كبر السن فلا يقدر على الكسب. والحال أن له أولادا صغارا لا يقدرون على الكسب (فَأَصابَها) أي الجنة (إِعْصارٌ) أي ريح ترتفع إلى السماء كأنها عمود (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) أي تلك الجنة. والمقصود من هذا المثل بيان أنه يحصل في قلب هذا الإنسان من الغم والحسرة والحيرة ما لا يعلمه إلا الله ، فكذلك من أتى بالأعمال الحسنة. إلا أنه لا يقصد بها وجه الله بل يقرن بها أمورا تخرجها عن كونها موجبة للثواب. فحين يقدم يوم القيامة وهو حينئذ في غاية الحاجة ونهاية العجز عن الاكتساب عظمت حسرته وتناهت حيرته. (كَذلِكَ) أي مثل هذا البيان في أمر النفقة المقبولة وغيرها (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي الدلائل في سائر أمور الدين (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢٦٦) أي لكي تتفكروا في أمثال القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) أي زكوا من جياد ما جمعتم من الذهب والفضة وعروض التجارة والمواشي (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) من الحبوب والثمار والمعادن. (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) أي ولا تقصدوا الرديء من أموالكم (مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) فقوله «منه» استفهام على سبيل الإنكار ، وهو متعلق بالفعل بعده. والمعنى أمن الخبيث تنفقون في الزكاة والحال أنكم لستم قابلي الخبيث إذا كان لكم حق على صاحبكم؟ (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أي إلا بأن تساهلوا في الخبيث وتتركوا بعض حقكم كذلك لا يقبل الله الرديء منكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن إنفاقكم ، وإنما يأمركم به لمنفعتكم. (حَمِيدٌ) (٢٦٧) أي مستحق للحمد على نعمه العظام. وقيل : حامد بقبول الجيد وبالإثابة عليه. (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي إبليس يخوفكم بالفقر عند الصدقة ويقول لكم : أمسكوا أموالكم فإنكم إذا تصدقتم صرتم فقراء. أو المعنى النفس الأمارة بالسوء توسوس لكم بالفقر. (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي بالبخل ومنع الزكاة والصدقة (وَاللهُ يَعِدُكُمْ) يسبب الإنفاق (مَغْفِرَةً مِنْهُ) عزوجل (وَفَضْلاً) أي خلفا في الدنيا وثوابا في الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) بالمغفرة للذنوب وبإغنائكم وإخلاف ما تنفقونه (عَلِيمٌ) (٢٦٨) بنياتكم وصدقاتكم