والضغينة ، هو العمل المجيد المُفصح عن ذاته ، بأنَّ الوحدة هي المِعول الباني ، وأنَّ الأُمَّة هي الوحدة الصحيحة المُبعَدة عن أيِّ تفريط بطاقاتها المُنتجة خيراً لإنسانها النامي ، وكلُّها في حقيقة النهج المُتخلِّي عن كلِّ مكسب ذاتيٍّ ، على حساب مكاسب الأُمَّة.
لا يصحُّ القول : بأنَّ نهج الحسن كان مُغايراً لنهج أبيه ، إنَّ النهجين مِن مَعدن واحد. لمَّا كان السيف ناجحاً كأداة في تقويم الأُمَّة ولَمِّ شملها ، امتشق السيف عليٌّ ، ووسَّع المعركة في الميدان. ولمَّا كانت الكلمة ـ لا السيف ـ هي الأجدى في شرح الحَقِّ ، تكفكف بها لسانه ، وفاضت معه على نهج البلاغة ، تدلُّ الناس إلى الحَقِّ العفيف ، كيف أنَّه يبني النفوس ، ويبني الأُمَّة الصادقة ؛ ومِن هنا لا تزال الأُمَّة تُفتِّش عنه في كلِّ وقت وفي كلِّ جيل ينحرف بها المسير عن الخط ِّالقويم ، وكذلك حاول الحسن أنْ يمتشق السيف ، ويُخلِّص الأُمَّة مِن حيفٍ لحقها مِن تنطُّح مُعاوية على كرسيِّ الخلافة ، ولكنَّه اصطدم بالحيف ذاته الذي عَطَّل به مُعاوية وعي الأُمَّة ، وأعادها إلى زعاماتها المُتسابقة إلى حشد القبائل والاستنصار بها ، فاستنبط الصلح حَقناً للدماء ، ومنعاً للتمادي في إثارة الأحقاد ، وتفكيك وحدة الأُمَّة. ستعرف الأُمَّة في غد أو في أيِّ يوم آخر ، إنَّ صلح الحسن هو الذي حَقن دم البصرة ، ودم الشام ، ودم الأُمَّة جمعاء في هُدنة ، على أمل أنْ يَطيب بها اللقاء ، وتصلح الأُمور ، وتستعيد الأُمَّة عافيتها مِن الوعي الذي ينمو كالنور بين كلِّ صباحٍ وصباحٍ. وأظنُّ الآن أنَّ معركة الحسن هي التي حقَّقت صحيح بحَقِّ الأُمَّة ، وهي التي ستبقى ماثلة الحضور في نهجها الجميل ، في كلِّ لحظة أُخرى ، تتعرَّض بها الأُمَّة لأزمة مُماثلة تُهدِّدها بالتفكك والانفراط ، إنَّ الأُمَّة الراشدة ـ ولو بعد ألف عام ـ هي التي تجني مِن مُسوَّقات العِبَر.
كان الحسين في القافلة التي شدَّها الحسن ، وسلَّمها الطريق الطويل مِن الكوفة إلى يثرب ، وفي جَعبته وثيقة الصلح التي وقعها ومُعاوية ، لقد بقي الحسين صامتاً طول الطريق ، أمَّا الحسن فإنَّه أخذ أخاه وضمَّه إلى صدره وهو يقول :